علم أسماء الأماكن وإشكالات تطبيقه في اللغة العربية

علم أسماء الأماكن


سألني صديقٌ لي في وقتٍ مضى السؤال الآتي: “لماذا نقرأ ونشاهد اسم سورية وهو ينتهي بالتاء المربوطة أحياناً, وبالألف الطويلة في أحيانٍ أخرى، مع أنَّ طريقة لفظهما متماثلة واللغة العربية واحدة؟”. ولمّا لم يكن الجواب حاضراً في ذهني، ولاسيما إنَّه- في حدود علمي- لا يوجد قرار مَجمعي أو قاعدة مُجمع عليها في كتابة الأسماء المماثلة مثل موريتانية، روسية، غامبية، ما عدا قرار لمجمع اللغة العربية بالقاهرة صدر في عام (1956)، ويقضي بإنهاء أشباه هذه الكلمات بالتاء ترجيحاً، فقد طلبت منه أن يمهلني بضعة أيام لإجابته. وبدوري طرحت هذا السؤال في جلسةٍ ضمَّت لفيفاً من أهل الفكر والرأي، وكان أن اختلفوا فيما بينهم على أي منهما أصح: التاء المربوطة أو الألف الطويلة، وكان لكل من الفريقين حجته وبرهانه، وكان أن انتهت الجلسة دون الوصول إلى قرارٍ حازم في هذه المسألة. وقد دفعني هذا الإشكال إلى متابعة البحث والتقصي عن سبب وجود هذا الاختلاف في طريقة كتابة أسماء الأماكن، وكان أن توصَّلت إلى أنَّ هناك علم يسمَّى: “علم أسماء الأماكن” هو الذي ينظم قواعد كتابتها وطريقة لفظها وتوضيح معانيها، ورأيت أن أجمع هذه المعلومات في مقالةٍ واحدة، آملاً أن يجد فيها قراء مجلة: “الباحثون” المتعة والفائدة.
تُعَرِّف معاجم اللغة “الاسم” على إنه لفظ يُطلق على أي شيء لتمييزه عن غيره، وبموجب هذا التعريف يفترض أن يكون لكل كائنٍ اسماً أو رمزاً أو لقباً أو رقماً يُعرف به، ويتم التعامل معه من خلاله، وتُعَدُّ دراسة الأسماء ذات أهمية كبيرة، إذ أنها تتصل بكل مناحي الحياة، وفي الواقع لا وجود للشيء من دون اسم، ولا يمكن أن تسير الحياة إلا عندما يحمل أي شيء اسماً يميّزه عن غيره. ومن المعروف أن الآباء هم الذين يُسَمُّون أبناءهم، ومن ثم يشير هذا الاسم إلى صاحبه، ويُعرف به في محيطه الاجتماعي والثقافي، فالمرء لا يُنتج اسمه، وإنَّما يتلقاه، وقد جاء في الأثر: “من اسمك أعرف أباك”، بينما يُطلق على الأشياء الجامدة اسم يُستمدُّ من وظيفته التي يؤدِّيها، فالسيارة من السير، والطائرة من الطيران، في حين إن الأماكن تكتسب وينشأ اسمها من محيطها، ومن واقع ظروفها السياسية والجغرافية والتاريخية والبيئية والاجتماعية والثقافية، ويقف وراء كل تسمية حدثٌ ما أو تاريخ معيَّن، لها بالتالي دلالات تبعث على التأمل والتفكير، وقد تَتَغَيَّر هذه التسمية ذات المعنى تبعاً لاختلاف الظروف من عصرٍ إلى عصر، ومن بيئةٍ إلى أخرى، بحيث يصبح الاسم الذي يستخدمه الناس في موقع ما هو الأفضل والأنسب، فهو دليل هوية وانتماء لا بُدَّ من معرفته جيداً، والتأكيد عليه وتعزيزه على الدوام لكل الأجيال المتعاقبة، ويظهر فيه التأثير المتبادل بين اللغات المختلفة، ويستنبط معالم المنطقة كالنباتات والحيوانات والتضاريس، لتكتمل صورة تاريخ الموقع، أو المكان، وجغرافيته وحضارته وبيئته في نفوس وذاكرات وضمائر الجميع، وللتعريف به أو للدلالة عليه مثل الدولة والمدينة والبحر والنهر والجبل والهضبة والسهل، وما اللغة في الواقع إلا صورةٌ للمجتمع وتاريخ تطوره، فالمفردات التي تدخل إليها، والتعابير والمصطلحات التي تولد فيها، لا يمكن أن تكون مجرد نتيجة داخلية للتحولات اللسانية أو اللغوية، بل هي نتاج تحولات اجتماعية أعمق من اللغة وأبعد أثراً. وكما أنَّ الأمم، مثل الأفراد، تتواصل باللغة، كما هو معروف، وكلما ازداد الاحتكاك والتبادل فيما بينها، فإنَّ هذا التفاعل يظهر في الاستعمالات اللغوية – ومنها أسماء الأماكن- التي تصطبغ بلون هذه التبادلات وأشكالها. ومن هنا نشأ ما يُعرف بـ: “علم أسماء الأماكن Toponymy”. المصطلح الإنكليزي ذو أصلٍ يوناني ويتكوَّن من مقطعين هما: “Topo” ومعناه:”مكان”، و “Onymia” ومعناه: “تسمية” أو: “إطلاق”.
واستناداً إلى هذا التعريف لعلم أسماء الأماكن، فإنَّ لكل موقع جغرافي على سطح الأرض اسماً واحداً على الأقل، أو أكثر، يُعرف به، أحدهما للاستعمالات الرسمية، والآخر متعارف عليه أو أكثر شيوعاً واستعمالاً، فالمملكة الأردنية الهاشمية – مثلاً – تُعرف بالأردن، والولايات المتحدة المكسيكية تُعرف بالمكسيك. وقد يختلف اسم الموقع بين لغةٍ وأخرى، فمصر – مثلاً – تسَمَّى باللغة الإنكليزية “إيجيبت Egypt”، واليونان اسمها باللغة الإنكليزية “غريس Grees”، دون معرفة سبب اختلاف التسمية في بعض الأحيان. وقد يلجأ بعض أصحاب المواقع إلى تغيير الاسم لسببٍ ما، فجمهورية “بوركينا فاسو” الإفريقية مثلاً: كان اسمها حتى عام (1984) “فولتا العليا”، الاسم القديم مستمد من نهر الفولغا الذي ينبع فيها، في حين إنَّ اسمها الجديد يعني بلغتها المحلية: “بلاد الرجال المستقيمين”، ومن الواضح هنا أنَّ سبب تغيير الاسم هو الاعتزاز بتراث الأمة الثقافي ومجدها. وقد يستمد الموقع اسمه من صفةٍ معينة تلازمه، فجمهورية جنوب إفريقيا اكتسبت اسمها لوقوعها في جنوب القارة الإفريقية. وقد يكون الاسم مشتقَّاً من اسم القوم الذين يقطنون المنطقة، فمملكة سوازيلاند استمدت اسمها من اسم قومها السوازي. وقد يكون اسم الموقع مستمداً من اسم نبات أو حيوان أو طائر أو سمك منتشر في المنطقة، فجمهورية البرازيل استمدت اسمها من شجرة البرازيل المنتشرة فيها، وسنغافورة تعني في اللغة المحلية الأسد، وتشيلي اسم لطائر يهيمن على المنطقة من بين عدة معانٍ أخرى محتملة.
ومن بين آلاف المواقع المنتشرة على سطح الأرض التي يحمل كل منها اسماً له تاريخ ومعنى، والتي يقف أغلبها شاهداً على هجرة الكلمات بين الثقافات المختلفة، فقد اخترت أسماء بعض المواقع لكي أشرحها باستفاضة، وبمقدار ما تسمح به مساحة هذه المقالة، وذلك للدلالة على أهمية “علم أسماء الأماكن” وضرورة العناية به ونشره.
وأبدأ باسم الجمهورية الكاريبية، نسبةً إلى البحر الكاريبي حيث تقع جزيرة كوبا، فالكثيرون من أبناء العربية قد لا يعلمون أنَّ هذا الاسم عربي الأصل، نعم إنَّ أصله عربي وبالتأكيد، مع أنَّ هناك احتمالات أخرى متداولة لمعناه غير ذلك، فقد يكون تخليداً لاسم زعيمٍ محلِّي يدعى “كوبانا كان”، أو إنَّه اسم قبيلةٍ من الهنود الحمر سكنت الجزيرة، أو اسم موقع في وسط الجزيرة، كما قيل أيضاً إنَّه اسم بلدةٍ ينتسب إليها مكتشفها كولومبوس. وعبر تاريخ الجزيرة سعى بعض سكانها لتغيير هذا الاسم دون جدوى، فأطلقوا عليها أولاً اسم: ” القديس كريستوف” تكريماً لمكتشفها “كريستوف كولومبوس”، ثم “جوانا” تكريماً لابنة الملك الإسباني “فرديناند” الذي اكتشِفت الجزيرة في أيامه، وإبرازاً لذوق الإسبان الذين يحبون الألقاب الفخمة، فقد لُقبت بـ: “كوبا المستمرة على الأمانة”. ولكن، وبالعودة إلى التاريخ، تاريخ اكتشاف القارة الأمريكية في عام (1492)، وهو التاريخ نفسه الذي غادر فيه العرب بلاد الأندلس، كان ملاح السفينة التي أبحر بها كولومبوس يدعى “بيدروألونزو”، الذي كان يتقن العربية بحكم ملازمته للعرب سنواتٍ طويلة، حيث كان العرب والإسبان يعيشون معاً، أو لأصله العربي، قد شاهد عن بُعد جزيرةً كبيرة يتوسطها تلٌ أو هضبة، وذلك بعد أيامٍ من الإبحار في المحيط الأطلسي، فكان أن صرخ بأعلى صوته فرحاً: “إنَّها جزيرةٌ تشبه القبة”، وكان أن ردَّد كولومبوس- الذي كان يقف بجانبه – بلهجته العربية الركيكة: “حقاً إنَّها تشبه الكبة”، ومع الأيام تحولت صرخة الملاح ألونزو من “قُبة” ردَّدها كولومبوس بعده “كُبَّة” إلى “كوبا”. وقد توصَّلت إلى هذه المعلومة من خلال مقالةٍ قرأتها في أحد الأعداد القديمة من مجلة “ناشيونال جيوغرافيك” الأمريكية، ذكر فيها الكاتب أن أصل اسم كوبا هو ما يقابل اسم القبة باللغة العربية، ولما لم تسعفني معرفتي المحدودة باللغة الإنكليزية، ومع استعانتي بالقواميس، في تفسير هذا الارتباط بين الاسمين، كتبت إلى أختٍ لي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات، أن تسأل جيرانها الأمريكيين عن المعاني المحتملة لكلمة “القبة” بلغتهم: ” Dome “، وكان الجواب أن لا معنى آخر لها سوى معنى القبة، ولكن تُستخدم أحياناً للدلالة على المكان المرتفع تشبيهاً له بالقبَّة المرتفعة عادةً. وكان إن بقي الأمر بالنسبة لي لغزاً حتى وقع بين يديَّ أحد كتب الرحلات إلى كوبا للرحالة العربي القطري الكابتن البحري ” عبد الرحمن محمود المحمود “، الذي زار الجزيرة في عام (1995)، وأصدر كتاباً عنها عنوانه: “كوبا فراشة الكاريبي الحالمة”، وفيه ذكر أنَّه في بحثه عن أصل الاسم قد وصل إلى القبة نفسها، التي هي هضبة في وسط الجزيرة تبعد عن جنوب العاصمة هافانا نحو (800) كم، وأكَّد أنَّها الهضبة نفسها التي أشار إليها الملاح ألونزو.
ونستعمل نحن أبناء العربية اسم: “النمسا” للدلالة على تلك الدولة الواقعة في وسط القارة الأوروبية، والتي يُطلق عليها أبناؤها بلغتهم الألمانية: “أوستريا Austria” وتعني عتبة الشرق أو بوابة الشرق أو السير في اتجاه الشرق أو المدخل إلى الشرق، إذ إنها المدخل نحو وسط أوروبا وشرقها، وقد وصل اسم النمسا للعرب من خلال الأتراك العثمانيين في أثناء احتلالهم للبلاد العربية، فهي كلمة تركية الأصل: “نمجا”ومعناها: “بلاد النعاس والنوم”، فقد هيمن على الجنود الأتراك الذين وصلوا إلى ضواحي العاصمة فيينا في عام (1683) لاحتلالها، طقس البلاد الجميل وجمال الطبيعة ونسيم الهواء النظيف العليل، فأصابهم حب النوم العميق في هذه الشروط الملائمة للنعاس والنوم، أي الكسل، فكان أن أطلقوا عليها هذا الاسم، وربما قد يكون هذا هو السبب أو أحد الأسباب الذي أدَّى إلى عجزهم عن احتلال المدينة، وقد يكونون قد وجدوا سكان البلاد أنفسهم هم من محبي النوم الطويل بحكم جمال طقس بلادهم، فأطلقوا عليها اسمها الذي نقلوه للعرب، ودون أن يستعملوا اسمها الألماني. وهذا التفسير هو من بين احتمالات أخرى لأصل الاسم، منها: أن اسم “نمجا” نفسه يعني في اللغة السلافية: “الأخرس”، ذلك أنَّ السلافيين عندما قابلوا الجرمان (الألمان) لأول مرة، أطلقوا عليهم هذا الاسم لأنهم لم يكونوا يعرفون لغتهم بسبب عدم إمكان التواصل معهم، فانتقلت منهم إلى الأتراك ومن ثم إلى العرب الذين أعطوها سمتاً عربياً: “النمسا”. وهذه المعلومات في مجملها وردت في قاموسٍ يحمل عنوان: “المعجم الموسوعي للمصطلحات التاريخية العثمانية”، الذي هو في الأصل رسالة دكتوراة كتبها “سهيل صابان”.
وبالانتقال إلى الشرق الأقصى حيث تقع الجزر اليابانية بين المحيط الهادئ وبحر اليابان، نرى أنَّ اليابانيين يطلقون على بلدهم اسم: “نيبون” أو “نيهون” حسب اختلاف لهجاتهم، ويعني هذا الاسم بلغتهم اليابانية: “بلاد الشمس المشرقة أو مصدر الشمس”، على اعتبار أنَّ الشرق يبدأ من بلادهم، في حين يطلق الغربيون عليها اسم: “جابان Japan” المستمد أو المحرَّف من كلمة: “سيبانغو Cipangu”، التي أطلقها الرحالة الإيطالي “ماركو بولو” (1254– 1324) على الجزر اليابانية أثناء إقامته في الصين لمدة خمسةٍ وعشرين عاماً (1270– 1295)، وورد ذكر هذا الاسم في كتابه عن رحلته إلى الشرق الذي أنجزه في العام (1301)، ويشير هذا الاسم إلى غنى الجزر واكتساء أرضها بالذهب وتناثر الجواهر على شجرها، وبانتقال هذا الاسم إلى الغرب حرَّفه اللسان الفرنسي إلى: “جابون Japon”، وحرَّفه الشعب الإنكليزي إلى: “جابان Japan”، واتَّخذ سمتاً عربياً: “يابان” باستبدال الجيم بالياء. وقد أثارت أحاديث وكتابات ماركو بولو شغف الأوروبيين، وكان أن اندفع كريستوف كولومبوس نحو الغرب للوصول إلى “سيبانغو” حالِماً ببلوغها في هذه المرة عبر طريقٍ مختلف من جهة الشرق، فإذا به يكتشف: “العالم الجديد أمريكا” بدلاً من اليابان القديمة.
ويقود الحديث عن اكتشاف قارة “أمريكا” إلى الحديث عن اسمها، الذي اكتسبته من اسم مكتشفها البحار الإيطالي “أميريكوفسبوتشي” (1554– 1512)، الذي قام فيما بين عامي (1497– 1504) بأربع رحلاتٍ إلى العالم الجديد، وترك وراءه تفاصيل تلك الرحلات وأسرارها وخفاياها، وادَّعى أنَّه اكتشف العالم الجديد عقب رحلته الأولى في عام (1497)، فحاز- دون قصد – شرف السبق إلى إطلاق اسمه عليه، في حين كان كولومبوس قد وصل إلى القارة في عام (1492)، ولكنَّه ظن أنَّه وصل إلى بعض الجزر الواقعة تجاه قارة آسيا، كالجزر اليابانية، ولم يتيقَّن بأنَّه وصل إلى العالم الجديد إلا بعد قيامه في عام (1498) برحلته الثالثة إلى أراضي ما عرِف فيما بعد بأمريكا، غير أنَّ الجغرافي الألماني “مارتين فالدسيموللر” قد اقترح في كتابه “المدخل إلى الجغرافيا” إطلاق اسم المكتشف الثاني “أميريكو” على العالم الجديد، تكريماً له، ومن ثم انتشر الاسم في كل أنحاء العالم، في حين أنَّ السبب الذي دعاه لتقديم هذا الاقتراح بدلاً من كريستوف كولومبوس لم يعرف على وجه التأكيد، ومن المرجَّح أنَّه لم يكن يعرف شيئاً عن اكتشاف كولومبوس، إلا أنَّه – مع مرور السنوات – قد صار معروفاً، على الأقل بالنسبة إلى الأوروبيين، أنَّ كريستوف كولومبوس هو الأوروبي الأول الذي اكتشف العالم الجديد، إذ إنَّ هناك محاولات لا مجال لذكرها هنا سابقة لهما قام بها بحارةٌ عرب (قد يكون اسم أمريكا تحريفاً من كلمة أمير نسبةً لأمير إحدى هذه المحاولات)، وغيرهم من الشعوب، للوصول إلى الأراضي المفترض وجودها خلف ما سموه بحر الظلمات، خوفاً ورهبةً من ظلامه، ولجهلهم بما يوجد وراءه، أو لتميزه بلون مياهه الداكنة مقارنةً بزرقة مياه جاره البحر الأبيض المتوسط، والذي سُمي فيما بعد بـ “المحيط الأطلسي نسبةً لــ: جبال الأطلس” الممتدة فوق شمال غربي القارة الإفريقية، أو نسبةً لقارة “أتلانتس” الخيالية والمفترض وجودها وراء جبال أطلس نفسه.

إشكالات تطبيق علم أسماء الأماكن في لغتنا العربية
ولكن اسم المكان بحدِّ ذاته – على ما يتمتَّع به من أهمية ومكانة – قد يكون مشكلة من المحتمل أن يقع فيها أيُّ شخص، ولاسيما العاملين في مجال الإعلام والصحافة والتعليم والنشر، وفي ميدان تنظيم المعلومات واسترجاعها. وتتلخَّص المشكلة بكيفية كتابة الاسم ولفظه، سواءٌ كانت أسماء أشخاص أو أماكن، ولاسيما منها الأسماء الأجنبية المعرَّبة، مثل اسم المفكر الأمريكي: “ناعومتشومسكي” الذي يكتب أيضاً بأشكالٍ أخرى مثل: “نوم جومسكي”، “نحوم شومسكي”، وقد وصل عدد هذه الأشكال– حسب تعدادي- إلى نحو العشرة، ومن الأمثلة أيضاً الكاتبة الألمانية صاحبة كتاب: “شمس العرب تسطع على الغرب” التي يُكتب اسمها بثلاث صيغ: “زيغريدهونكه ” “زيكريد” “زيجريد” مع أنَّ له صيغة واحدة في اللغة الألمانية: “Sigrid Hunke” ، ويُكتب اسم الأمين العام للأمم المتحدة: “كوفي عنان” بشكلٍ ثانٍ: “أنان”، ويرد اسم المستشارة الألمانية: “أنغيلاميريكل” بشكل: “أنجيلا مريكل”، ويـُكتب اسم رئيس الوزراء البريطاني بشكلين: “غوردون براون” “جوردون”، والرئيس الفرنسي: “فرنسوا أولاند” “هولاند”.وينطبق هذا الاختلاف في كتابة الاسم الشخصي ولفظه على أسماء الأماكن، فكبرى مدن تركيا يُكتب اسمها بثمانية أشكال: إسطنبول، إسطانبول، إستنبول، إستانبول، وباستبدال السين صاداً “إصطنبول” يصبح بثمانية وجوه. ويُكتب ويُلفظ اسم العالم الجديد بستة وجوه: أمريكا، أميركا، أميريكا، أمريكة، أميركة، أميريكة. ويتـَّخذ اسم القارة الأوروبية ستة وجوه: أُوربَّا، أُروبَّا، أوروبَّا، أُوربَّة، أُروبَّة، أُوروبَّة. ويُلفظ ويكتب اسم العاصمة الاقتصادية لموريتانيا بشكلين هما: إنواذبيو، نواذيبو. ويتــَّخذ اسم أكبر محيطات العالم أربعة أشكال: الهادئ، الهادي، الباسيفيك، الباسيفيكي.ويُكتب الاتحاد السوفياتي بشكلٍ آخر هو: الاتحاد السوفييتي، وأوروغواي تصبح أروغواي، وإسبانيا تلفظ أسبانيا، وإلسلفادور تكتب إل سلفادور، وفيتنام تتخذ شكل فييتنام، وإفريقيا تظهر على شكل أفريقيا، إفريقيا، أفريقية، إفريقية، وأيرلندا تكتب إيرلندا، أيرلندة، إيرلندة، كما ويتخذ اسم إنكلترا خمسة وجوه أخرى هي: إنجلترا، إنغلترا، إنكلترة، إنجلترة، إنغلترة، وهذه كلها مجرد أمثلة عن “فوضى”أسماء الأماكن في لغتنا العربية، مع تأكيدي الشديد لوجود هذه الفوضى الشاملة واتساع رقعتها، ويعود ذلك إلى ضعف أو انعدام التنسيق بين الجهود المبذولة في هذا الصدد، مع أنَّ اللغة العربية واحدة، فكل جهة تتبنَّى شكلاً لكتابة اسم المكان، سواءٌ كان عربياً أو معرَّباً، وفق رأيها وتفسيرها، ثم لا تسعى بعد ذلك سعياً جاداً من أجل ضمان استخدام كل المتخصِّصين لهذا الشكل على مستوى الوطن العربي، أو حتى على مستوى الدولة العربية الواحدة، فسادت الفوضى، فإذا بنا نجد لاسم المكان الواحد أو لاسم الشخص الأجنبي المعرَّب أشكالاًٍ عدة مختلفة ومتباينة.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بإطلاق أكثر من اسم على مكانٍ واحد، مع ما يثيره هذا الموضوع من توافق الأطراف المعنية عليه أو دخولها في جدلٍ بشأنه. وعلى سبيل المثال “الخليج العربي” الذي استوطن العرب أقسامه الغربية على مدى التاريخ، إلا أنَّ إيران تصر على إطلاق اسم “الخليج الفارسي” عليه، مع أنَّها لا تشغل سوى أقسامه الشرقية، وأرى لحلِّ هذا الإشكال ترك كل جانب يسمي ما يشاء ودون شطب أو إلغاء الآخر أو الدخول معه في جدلٍ قد يكون عقيماً في أغلب الأحوال، وطالما أنَّ كلا الطرفين يملك الحجة والرأي المنطقيين.
وقد تتعدَّد الأسماء للمكان نفسه، فشبه الجزيرة العربية، التي اكتسبت هذا الاسم من سكانها العرب، يُطلق عليها أيضاً: بلاد العرب، جزيرة العرب، الجزيرة العربية، وأرى أنه لا بدَّ من اعتماد اسمٍ أو مصطلحٍ واحد يستعمل في كلِّ أنحاء العالم، ولا بأس من الإشارة إلى الأسماء الأخرى هامشياً.
وهناك إشكالية أخرى ترتبط بكتابة الاسم الأجنبي، هل نكتبه كما يلفظه أهله بلغتهم، أم نترجمه إن كان قابلاً للترجمة، فكما نقول: “نيويورك New York ” ومعناها: “يورك الجديدة”، يجب علينا أن نُسَمِّي: “بحر الشمال” بـ: “نورث سيNorth Sea “, وكما نقول: “تيمور الشرقية”، فيجب أن نقول: “تيمور ليستي” حسب اسمها الرسمي في لغة أهلها. وتُكتب “غينيا الجديدة” بشكلٍ آخر هو: “نيو غينيا”، وينطبق الأمر نفسه على جزيرة: “نيو كاليدونيا كاليدونيا الجديدة” حيث يرد كلا الاسمين في كتاباتنا العربية. ونرى أن كتابة الاسم بصيغته الأصلية في لغته الأم هو الأصح، مع إضافة ترجمته إلى اللغة العربية هامشياً أو بين قوسين إن أمكن.
أيضاً تُستخدم في اللغة العربية الهمزة أو المدَّة فوق الألف للاسم نفسه: “آتاكاما” “أتاكاما”، “آزوف أزوف”، “آريزونا أريزونا”، “آيسلندا أيسلندا”. ومع أنَّه من الصعوبة إلى حدِّ ما التمييز بين الحركتين لتشابه طريقة لفظهما، ولاسيما في الأسماء المعرَّبة، إلا أنَّ هذه الصعوبة لا يجب أن تكون عائقاً أمام توحيد شكل كتابتهما باتفاق أهل الشأن والاختصاص.
وهناك اختلاف في كتابة الأسماء المركَّبة مثل: “عبد الله” الذي يرد في بعض الأحيان بدون مسافة بين الاسمين: “عبدالله”، “كفر بطنا” “كفربطنا”، نيو جيرسي نيوجيرسي”. ومع أنَّ البعض قد ينفي أهمية ذلك لأنَّ طريقة اللفظ واحدة، إلا أنَّه لا بدَّ من توحيد شكل الكتابة لأنَّ اللغة العربية واحدة ذات قواعد ثابتة.
وبالعودة إلى الإشكال الوارد في الفقرة المدخل إلى هذه المقالة، وهو انتهاء اسم المكان بالتاء المربوطة أو بالألف الطويلة، وعدم وجود قاعدة لغوية محدَّدة سوى القرار المجمعي الذي أشرت إليه، أرى أنَّ الأصح في ذلك هو انتهاؤها بحرف الألف: “روسيا” بدلاً من “روسية”، “أوكرانيا” بدلاً من “أوكرانية”، “ليبيا” بدلاً من “ليبية” على سبيل المثال لا الحصر، وذلك استناداً إلى طريقة اللفظ الممتدة بشكلٍ أوسع وأطول. ويتطابق هذا الرأي مع ما ذهب إليه الدكتور “عبد الله الحلو” في كتابه “تحقيقات تاريخية لغوية في الأسماء الجغرافية السورية استناداً للجغرافيين العرب” الصادر في عام (1999)، وهو في الأصل رسالة دكتوراة، وفيه ذكر أنَّ اسم “سوريا” يوناني الأصل، وأنَّ كتابته بالتاء المربوطة خطأ، ليس فقط بالنسبة لهذا لاسم، بل لكل أسماء الأماكن المشابهة، هذا مع أنَّ مجمع اللغة العربية بدمشق قد أصدر في عام (1961) تعميماً يقضي بضرورة إنهاء اسم “سوريا” بالتاء المربوطة “سورية” استناداً على القرار المجمعي المشار إليه في الفقرة المدخل إلى هذه المقالة.
وقد ذكر الدكتور الحلو في رسالته أنَّ اسم “سوريا” هو يوناني الأصل، بدليل أنَّ المؤرخ اليوناني “هيرودوت” (484– 425) ق. م. كرر ذكرها في كتاباته، وهذا يعني أنَّه قد ظهر إلى الوجود قبل الميلاد بنحو خمسة قرون، وكان يكتب على شكل: “أسيريا Assyria”، وبإسقاط المقطع ” أس As” يصبح: “سيرْيا Syria” بتسكين الراء، وفق لفظه باللغة الإنكليزية، وهذا التفسير لأصل اسم “سوريا” هو من بين احتمالات عدة مختلفة، إذ ليس من المعروف على وجه اليقين كيفية نشوئه، فقد يكون من كلمة “شرين” الواردة في كتابات أوغاريت، أو من “سوري” إحدى مناطق شمال الفرات المعروفة من قبل البابليين، أو من “آشور” الحضارة التي سادت فيما بين النهرين، أو من “سيروس” وهو الشخص الذي يتكلم السريانية عند الرومان، أو من “سيريون سيريانار”، وهما الاسمان اللذان كانا يُطلقان على سلسلة جبال لبنان الشرقية، أو من “سنِّير” الذي هو جبل حرمون أو جبل الشيخ، وفق ما جاء في كتاب: “المعجم الجغرافي السوري” الصادر بخمسة أجزاء في عام (1990) عن مركز الدراسات العسكرية بدمشق والجمعية الجغرافية السورية، وفي رسالة الدكتوراة المشار إليها.
أما عن معنى كلمة: “سيريا” اليونانية التي يعتقد أنها اللفظ الأصلي لاسم سورية، فلم أجد له معنى سوى أنه يقترب أو يلامس أو تحريف من كلمة:”آسيا” (القارة الآسيوية)، ومعناها: “الشرق”، وهو الاسم الذي أطلقه اليونانيون القدماء على الأراضي الواقعة إلى الشرق من بلادهم، ومنها سورية، لأنها الأرض التي تشرق منها الشمس بالنسبة لهم، والله عزَّ وجل أعلم.
ومن خلال هذا العرض السريع لتسميات الأماكن الجغرافية وما يصاحبه من إشكالات، فإنني أرى أنَّه لا بُدَّ من وجود مرجعية عربية واحدة، كالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أو مجامع اللغة العربية مثلاً، تقترح وتعتمد شكل هذا الاسم أو ذاك، سواءٌ كان عربي الأصل أو مترجماً من أي لغة أخرى، استناداً إلى آراء أهل الاختصاص والمعنيين، ثم تُعَمِّمه على الجهات ذات الصلة كافة في مختلف أنحاء الوطن العربي، شكلاً ونطقاً، ولاسيما بعد التقدُّم المذهل لوسائل الاتصال الإلكترونية، التي تتيح نقل المعلومة في اللحظة ذاتها، بحيث صارت الرسائل الخطية (البريد) التي تنقلها الطائرات، أو إرسالها بالبرَّاق (أي الفاكس) مجرَّد ذكرى من الماضي، وقد قرأت أنَّه يوجد لجنة من المندوبين العرب في الأمم المتحدة لتوحيد كتابة أسماء الأماكن الجغرافية. ويدخل ضمن دعوتي هذه لتوحيد أشكال كتابة أسماء الأماكن وطريقة لفظها، توحيد كتابة أسماء الأيام والأشهر والأرقام، التي تختلف اختلافاً واضحاً بين مشرق العالم العربي ومغربه.

 

نبيل تللو – موقع الباحثون