فرضيات ونظريات الفونيم والألوفون وتطبيقاتها عديدة ومتشعبة، ويطول شرحها والتفصيل فيها. هنا سيتم التركيز على أهم الجوانب، التي قد تكون مفيدة، لدراسة معاني أسماء الأماكن القديمة، في الجزيرة العربية والهلال الخصيب.
أصوات اللغة تسمى: (فونيمات)، واحِدُها: (فونيم/phoneme).
هناك نوعان من الفونيمات:
1- (الفونيمات الصامتة) وتسمى أيضاً: (الحروف الصحيحة)، مثل: (الباء والدال والسين والكاف).
2- (الفونيمات الصائتة) وتسمى أيضاً: (حروف المد والحركات)، مثل: (الف المد وواو المد وياء المد).
الفونيم يُكتب بين خطين مائلين: /p/ .
للمزيد عن الفونيمات.. اضغط هنا
وفقاً للنظرية اللسانية الأكثر شيوعاً، تتجميع أصوات اللغة على هيئة عائلات صوتية، ولكل عائلة (زعيم) او (صوت رئيسي/principal). أما بقية أفراد العائلة فلسوا سوى تنويعات أو (تفرعات/subsidiaries) لهذا الصوت الرئيسي. هذه التنويعات تشمل: الجهر والهمس والشدة والرخاوة والتفخيم والترقيق.. الخ. ولعل التمثيل الأنسب لهذا النظرية، كما شرحها بعض اللغويين، هو جذع الشجرة وأغصانها أو فروعها. الجذع هو: (الصوت الرئيس) والفروع هي (تنويعات) هذا الصوت.
اللغة بشكل عام تميل الى الاقتصاد والاختصار والتخفيف، ولذلك تقول النظرية أن الصوت الأساسي في هذه العائلة، (أي الجذع)، هو الصوت الأسهل، والأكثر استخداماً، كأن يكون الصوت: مهموساً ومرققاً، وغير مركب، أي لايخالجه (نطق ثانوي). (1)
مثال ذلك: الأصوات الصفيرية، وتشمل (السين والزاي والصاد والشين). الـ(س) هنا هو (الجذع) وبقية الأصوات هي الفروع، لأن السين هو الصوت الوحيد المرقق والمهموس وغير المركب أو (المزجي).
التسمية الشائعة للصوت الرئيسي او (الجذع) هي: (فونيم/phoneme) وهي كلمة يونانية معربة تعني حرفياً: (الصوت المنطوق)، أما أفراد المجموعة أو (الفروع) فتسمى: (ألوفونات)، واحِدُها: (ألوفون/allophone) وتعني حرفياً: (الصوت الآخر).
الألوفون يُكتب بين قوسين مربعين: [p] .
الرأي الغالب أن الفروع (الألوفونات) اذا حلت محل بعضها البعض او حلت محل الجذع (أي الفونيم)، في كلمة ما، لايتغير معنى هذه الكلمة. ولكن، لوحظ ان الألوفونات قد تتطور الى أن تصبح قادرة على تغيير المعنى، اذا حلت محل بعضها البعض او حلت محل الجذع في كلمة ما. أحد الأسباب الشائعة المرصودة هي: ظواهر (التفرع الدلالي)، كالاستعارة والتشبيه والارسال، التي ينتج عنها (دلالات مجازية) مشتقة من (الدلالة الاصلية) للكلمة.
مثال ذلك: السين / s/ والصاد [ ṣ ] في:
(بسط وبصط): أي نشر ووسّع، (يرس ويرص): بمعنى يضم ويثبت، (السخب والصخب): وهو الضجيج. (سفيق وصفيق): ويعني رقيق وشفاف، (سقع وصقع): أي ضرب. وفي العاميات يقال: سيارة وصيارة، سندوق وصندوق.
(الصاد)، في الكلمات السابقة، تبدو كما لو كانت مجرد تفخيم لصوت السين، ولا تؤثر على دلالة الكلمة اذا حلت محل السين. لذلك تعتبر الصاد، في هذه الحالة، (ألوفون) لفونيم (السين)، بمعنى أن الـ(ص) فرع من فروع الـ(س).
{الفرق بين السين والصاد هو أن السين مرققة والصاد مُفَخّمة، ولذلك يقال للصاد: السين المُفَخّمة.}
هناك أيضاً السين / s/ والزاي [ ẓ ] في:
(خزق وخسق): طعن وثقب، (رجس ورجز)، (سلب وزلب)، (زفت وسفت). (بسق) و(بزق) وكلتاهما تعني: (بصق). وكذلك (الصقر)، تنطق: (السقر) و(الزقر).
(الزاي)، في الكلمات السابقة ، تبدو كما لو كانت مجرد (اجهار) لصوت السين، ولا تؤثر على دلالة الكلمة اذا حلت محل السين. لذلك تعتبر الزاي، في هذه الحالة، (ألوفون) لفونيم (السين)، بمعنى أن الـ(ز) فرع من فروع الـ(س)، كما هو الحال مع الـ(ص).
{الفرق بين السين والزاي هو أن السين مهموسة والزاي مجهورة، ولذلك يقال للزاي: السين المجهورة}.
مثال آخر هو السين / s/ والشين [ š ] في:
(نهش ونهس)، (شمّت العاطس وسمّت العاطس)، (نسف ونشف). وكذلك (زقزق العصفور)، تنطق: (سقسق) و(شقشق).
(الشين)، في الكلمات السابقة ، تبدو كما لو كانت مجرد (تغوير/Palatalization) لصوت السين، ولا تؤثر على دلالة الكلمة اذا حلت محل السين. لذلك تعتبر الشين، في هذه الحالة، (ألوفون) لفونيم (السين)، بمعنى أن الـ(ش) فرع من فروع الـ(س)، كما هو الحال مع الـ(ص) والـ(الزاي).
{الفرق بين السين والشين هو أن السين بسيطة والشين مُغَوّرة، ولذلك يقال للشين: السين المُغَوّرة}.
خلافاً لما سبق، لوحظ ان الألوفونات قد تُغيّر معنى الكلمة، بسبب ظواهر (التفرع الدلالي)، كالاستعارة والتشيه والارسال:
مثال ذلك: الاختلاف في المعنى بين: (ترح) و(طرح).
(ترح): تعني:الحُزن، أي نقيض الفرح. وعند المقابلة يقال: (الأفراح والأتراح).
(طرح) : تعني: الإلقاء والرمي، وفي لسان العرب:”مَشَى مُتَطَرِّحاً أَي متساقطاً”.
هنا، تبديل التاء بالطاء غَيّر المعنى رغم ان الطاء مجرد تفخيم للتاء، ويعتبر من الناحية التاريخية ألوفون للـ(ت).
يقول ابن منظور “العرب تبدل الطاء تاءً لقرب مخرجهما، قالوا (مت) و(مط) اذ: مد. و(طر) و(تر) اذ: سقط، ومثله كثير في الكلام”. بمعنى ان (مت ومط) لهما نفس المعنى وهو: (مد)، وكذلك” (طر) و(تر) لهما نفس المعنى وهو: (سقط).
بالعودة للمعاجم العربية لتفحص المعاني الأخرى لـ( ترح)، نجد التالي:
التَّرَحُ هو: الهُبوط، وفي هذا المعنى يقال: “ما زِلْنا مُنْذ الليلةِ في تَرَحٍ”، أي في هبوط ونزول.
هنا إشارة الى ان (ترح) و(طرح) تشتركان في دلالة أصلية واحدة وهي: السقوط، والهبوط والنزول.
إشارة أخرى، هي ان (طر) و(تر) في كلام ابن منظور، هما صيغ أخرى لـ(طرح وترح)، لان أصوت الحلق ومنها الـ(ح)، من الناحية التاريخية، ليست من أصل الكلمة.
للمزيد عن أصوات الحلق.. اضغط هنا
اذن يمكن القول أن (الدلالة الاصلية) لكلمة (ترح) هي: (الهبوط والسقوط)، أما استخدامها كإسم آخر لـ(الحزن)، فيمكن وصفه بـ(الدلالة مجازية). سبب هذه الدلالة المجازية هو (الكناية) ومن أنواعها: (إخفاء الصفة مع ذكر الدليل عليها). كأن يقال: فلان (منكسر) أو مكسور الخاطر، الصفة المخفية هنا هي: (مُكتئب، مُحبط أو مُفلس) والعبارة الدالة هي: الانكسار. وكذلك الأمر في قولهم: (سقط في الامتحان)، وفي العبارة الأجنبية :(feeling down)، أي :(يشعر بالحزن).
مثال آخر: (سهر) و(شهر) و(زهر)، وهي كلمات معانيها لا تبدو متطابقة.
سهر: السهر هو الأرق وامتناع النوم ليلاً. وليل ساهر أي لانوم فيه والسهران من لم ينم ليلاً.
شهر: الشهر هو ظهور الأمر ووضوحه، ومنها مشهور: أي معروف. والشهر أيضاً مدة دورة القمر: (29 أو 30 يوماً).
زهر: أزهر النبات أي تفتحت اطراف اغصانه بألوان زاهية. والزَهرة هي البُرعم المتفتح. وقال بعض أهل اللغة أن الزَهرة لاتسمى بهذا الاسم الا اذا كانت بيضاء. والزُهرة هي الكوكب المعروف، الذي يُسميه العرب أيضاً: (الكوكب الأبيض).
هنا يلاحظ أن الشين في: (شهر)، رغم انها فرع من فروع السين، الا انها تصرفت كما لو كانت فونيماً مستقلاً عن السين. ولذلك تغير المعنى، عندما ابدلت السين شيناً في (شهر). وبالمثل: الزاي في (زهر)، رغم انها فرع من فروع السين، الا انها تصرفت كما لو كانت فونيماً مستقلاً عن السين، ولذلك تغير المعنى، عندما ابدلت السين زاياً في (زهر).
عند البحث المُعمق في أصول تلك الكلمات، سيتضح ان الكلمات الثلاثة متجاذرة (doublet). بمعنى انها تطورت من جذر صرفي (morphological root) واحد، وان لها جذر دلالي (semantic root) قديم، وهذا من شأنه ان يدل على (أصل الألوفوني/allophonic origin) للشين والزاي.
للتوضح أكثر من المهم العودة الى معاني (سهر وشهر وزهر) في المعاجم العربية:
1- السهر هو (الأرق) أي (امتناع النوم ليلاً). و(الساهور) وهو اسم من أسماء القمر.
2- الشهر: هي المدة التي يتنقل فيها القمر بين منازله، من (الهلال) الى (المحاق)، مروراً بـ(البدر).
يقول ابن منظور في (لسان العرب): الشهر سمي شهراً على اسم الهلال، لأن (القمر) اذا تهلل يسمي شهر.
وفي مكان آخر يقول ان: “الشهر هو القمر”، ولكنه ينقل عن ابن الاثير قوله: “الشهر هو الهلال”.
3- الزُهرة هي البياض، والزهراء تعني البيضاء، والأزهار هي البراعم المتفتحة البيضاء، ثم عممت التسمية لاحقاً على كل الألوان. والـ(أزهر) من أسماء القمر.
اذن يمكن الخلوص الى التالي:
سهر: تعني عدم النوم في الليل، ومنها اشتق من أسماء القمر: (الساهور).
شهر: تعني مشهور ومعروف، وكذلك مدة دورة القمر، وهي أيضاً من أسماء الهلال أو القمر.
زهر: معانيها تشمل: البياض، الزهور البيضاء، اسم لكوكب الزُهرة، ومن أسماء القمر أيضاً.
من الواضح ان الدلالة المشتركة للكلمات الثلاث هي: (القمر).
تحت مادة [قمر] في معجم لسان العرب نقرأ التالي: “القُمْرَة هي البياض” و”الأَقمر: الأَبيض الشديد البياض، والأُنثى قَمْراء”، وكذلك: “يسمى القمر لليلتين من أَول الشهر هلالاً” و”القَمَرُ بعد ثلاث ليال إِلى آخر الشهر يسمى قمراً لبياضه“.
وكما ورد سابقاً، الفعل: (يسهر) اشتق من اسم القمر: (سهر). وكذلك كلمة (القمر) نفسها، اشتق منها: (يتقمر) و(قَمِرَ):
يقال: “يتقمر الظباء”، أي :يصيد الظباء ليلاً (على ضوء القمر)، وكذلك: “تقمرت اليه”، أي :ذهب اليه في الليل.
وفي نفس المعجم: “قَمِرَ: أَرِقَ في القَمَر فلم ينم”.
(أَرِقَ): أي أصابة الأرق بسبب ضوء القمر. والأرق هو: “امتناع النوم ليلاً “.
وعليه يمكن القول ان القمر يعني:البياض (أي الزُهرة) ، والسَهر، والمدة الزمنية المعروفة (أي الشهر).
كل هذا يشير الى ان الكلمات الثلاث هن في الأصل كلمة واحدة ولكن (فيها لغات)، أي تُنطق بطرق مختلفة، تارة بالسين أو بالشين: (سهر،شهر) وبالزاي تارة أخرى: (زهر).
كما يعنى أيضاً أن للشين والزاي في تلك الكلمات (أصل ألوفوني/allophonic origin) حتى وان بدت (فونيمات مستقلة/independent phonemes) عن السين.
هذا الأمر قد يتضح أكثر في السطور التالية:
( س-هـ-ر | s-h-r) أو ( س-ر | s-r)، جذر كلمة سامية قديمة معروفة تعني: (قمر أو هلال).
في المندنائية: (سَرا) = القمر.
وكذلك: (سَهْرا) = قارب على شكل هلال.
في الآرامية والعبرية: (סַהַר / سهر) = القمر أو الهلال.
في السريانية: (ܣܰܗܪܰܐ/ ساهرا) = القمر
في الأكدية: (sarru) أو (zarru) تطلق على كل ما يشبه الهلال في تقوسه.
ومنها: (sahar) = المساء، و(saharatu أو zaharatu) = الشهر.
الجذر الصرفي الأصلي لـ(سهر) هو: (سر)، أما الجذر الدلالي فهو: (ضاق، استدار أو تقوس)، سهر تتجاذر مع كلمات عربية أخرى مثل: يَصُر،سِوار،حَصَر،عَصَر، الخ. هذه الكلمة تطلق على الهلال، وتوسعاً على القمر في كل منازله.
ورد في أحد النصوص الأرامية هذه الصفة للهلال: (קשת בשמינ סַהַר)، (يا قوس السماء، يا سهر!).
(سهر) هذه، كانت تنطق بالشين وبالزاي ايضاً، وهو الأمر الذي يجعل لها ثلاثة صور: (سهر، شهر، زهر) ولكن بدون أن يتغير المعنى. تماماً كما مر معنا في: (سقسق وشقشق وزقزق) العصفور.
بسبب بعض ظواهرة (التفرع الدلالي) مثل (الاستعارة) و(التشبيه)، اكتسبت هذه الكلمة مدلولات جديدة. هذه المعاني المجازية المكتسبة، يَحدث ان ترتبط بصورة من صور الكلمة دوناً عن بقية الصور. مثال ذلك : (البياض)، هذا المدلول الجديد المكتسب، ارتبط بالصورة (زهر)، وفك ارتباطه بالصورتين (شهر وسهر).
بالإمكان التثبت من ذلك عبر النظر الى كلمة: (صحر)، هذه الكلمة هي نفسها: (سهر) ولكن بتفخيم السين وحلقنة الهاء ليصبح (حاء). كلمة (صحر) هذه، منها: (الصحراء) أي الأرض الخالية المستوية، وهو نفس معنى كلمة: (الساهرة) المشتقة من (سهر). هناك أيضاً:(الصُحرة)، وهو نفس معنى (الزُهرة) أي: البياض، حيث يقال للأبيض (صحاري) أو (أزهر).
من الأمثلة الأخرى على تعدد الصور، كلمات مثل: حس، حص، حش، حز، كلها تأتي بمعنى قطع وبتر وحك، الى جانب دلالات تخصيصية تميزها عن بعضها. الصورة الاصلية هي: (حس) والبقية: (لغات) استخدمت فيها ألوفونات أخرى للسين، ولكن التفرع الدلالي جعل منها كلمات مستقلة. هذه الظاهرة تكثر في أسماء الأماكن القديمة، ومن المفيد تتبع الاًصل الألوفوني للوصول لمعنى الطوبونيم.
بين الساميات
بين اللغات السامية هناك صوت الـ(ف)، على سبيل المثال، هذا الصوت يعتبر تاريخياً: ألوفون للـ(ب).
الفاء يلعب دوراً ألوفونياً في اللغة العبرية الكتابية، بحيث يحل محل (الباء المهموسة السامية/P) في بعض الكلمات، وفقاً لاشتراطات معينة، وليس في كل الحالات. في اللغة العربية للـ(ف) دور ألوفوني أيضاً، ولكنه غير مشروط، بمعنى أن الفاء يحل دائماً محل الـ(P) السامية، بما لا يُخرج الكلمة من حقلها الدلالي الأصلي العام. مثال ذلك: الكلمة الأكدية (pasu/باسو) هي نفسها العربية: (فأس) و(paraqu/برقو)، هي العربية: (فَرّق، يُفَرّق).
التوظيف الألوفوني
التوظيف الألوفوني هو: احلال طردي لفونيم محل آخر، بعيد المخرج، مُختَلِف الصفات. بمعنى ان الصوتين، دياكرونياً، ليس بينهما علاقة صوتية، محققة أو متوقعة. مثال ذلك: توظيف الجيم المثلثة (چ/ch)، في بعض اللهجات، كبديل لصوت الكاف، كأن يقال: (چكم؟) بدلاً من (كم؟) و(چبد) بدلاً من: (كَبِد). هذه الظاهرة تكثر عند تبني لهجة جديدة أو لغة جديدة ومن المهم تتبعها والكشف عنها عند دراسة معاني أسماء الأماكن.
ملاحظات الرازي:
يقول فخر الدين الرازي (606هـ): “لقائل أن يقول : نسبة اللام الرقيقة إلى الغليظة كنسبة الذال إلى الظاء، وكنسبة السين إلى الصاد، فإن الذال يُذكر بطرف اللسان والظاء يُذكر بكل اللسان، وكذلك السين يُذكر بطرف اللسان، والصادُ يُذكر بكل اللسان، فثبت أن نسبة اللام الرقيقة إلى اللام الغليظة كنسبة الذال إلى الظاء وكنسبة السين إلى الصاد، ثم رأينا أن القوم قالوا : الذال حرف والظاء حرف آخر وكذلك السين حرف والصاد حرف آخر، وكان الواجب أن يقولوا : اللام الرقيقة حرف واللام الغليظة حرف آخر ، وإنهم ما فعلوا ذلك ، ولابد من الفرق”.
الرازي، هنا، يريد ان يقول التالي: في اللغة العربية هناك (لام) تسمى (اللام المرققة) ومنها نشأت (لام) أخرى تسمى (اللام المفخمة) أو الغليظة. مثال ذلك الـ(ل) في عبارة: (أُذكرِ الله) و(لا تنسى ذكرَ الله)، اللام في (الله) الأولى مرققة وفي الثانية مفخمة. أهل اللغة القدماء يُجمعون على ان الأصل في اللام هو الترقيق لا التفخيم، بمعنى ان (اللام المفخمة) هي، في الواقع، فرع من فروع (اللام المرققة). الرازي يشير، أيضاً، الى ان العلاقة بين (اللام المرققة) و(اللام المفخمة)، هي نفسها العلاقة بين (السين) و(الصاد)، لأن الصاد، من الناحية الصوتية، هي (السين الغليظة) أي المفخمة.
في أسماء الأماكن:
(القطيف)، اسم للبلدة التي تقع على ساحل الخليج الذي يشمل قطر والكويت وما بينهما. هذا الساحل كان يسمى قديماً: (الخط)، أي خط الساحل أو الشريط الساحلي، أي ما يقابل تقريباً: (coastline) في الإنجليزية، حيث (line) تعني: خط و(coast) تعني: ساحل.
(الجذر الصرفي/morphological root) لكلمة قطيف هو: قَطَفَ {qăṭăfă}
(الجذر الصوتي/phonetic root) هو: (ق،ط،ف) /f/ /ṭ/ /q/
هذه الفونيمات الثلاثة لها (أصل ألوفوني/allophonic origin):
القاف صوت لهوي، لا يحل الا محل الكاف، ولذلك يعتبر (تفخيم) للكاف.
الطاء هو النظير المُطَبّق (أي المفخم) لصوت التاء، ولذلك يسمى: (التاء المفخمة).
الفاء يعتبر تاريخياً: ألوفون للـ(ب) المهموسة، ويحل محل الباء المجهورة أيضاً.
k/ > [q]/
t/ > [ṭ]/
p/ > [f]/
وعليه يمكن القول ان (الجذر الصوتي) الأصلي هو: (ك،ت، پ) /p/ /t/ /k/
اما (الجذر الصرفي) الأصلي فهو: كَتَپَ {kătăpă}
كَتَبَ، (أصل معجمي/lexical stem) لكلمات عربية مشتقة مثل: (يكتب) و(كاتب) و(كتاب).
في (لسان العرب) نقرأ التالي:
كَتَبَ الشيءَ يَكْتُبه كَتْباً وكِتاباً وكِتابةً، وكَتَّبَه: خَطَّه.
هنا الفعل: (يكتب)، يعتبر مرادف للفعل: (يخطّ). والكتاب هو: الخط.
كلمة: (كتاب) هذه، وردت في القرأن الكريم في عدة مواضع منها (سورة المائدة – الآية 110):
{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ}.
عند البحث في معاني: { الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }، نجد أن (الْكِتَابَ = الْخَطَّ) و(الْحِكْمَةَ = الْفَهْمَ)، كما يلي:
1- تفسير الطبري:
وقوله:”وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل”، يقول: واذكر أيضًا نعمتي عليك إذ علمتك “الكتاب”، وهو “الخطّ“ و”الحكمة”، وهي “الفهم” بمعاني الكتاب الذي أنزلته إليك، وهو “الإنجيل”.
2- تفسير ابن كثير:
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ أَيِ: الْخَطَّ وَالْفَهْمَ ﴿وَالتَّوْرَاةَ﴾ وَهِيَ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ الْكِلِيمِ، وَقَدْ يَرِدُ لَفْظُ التَّوْرَاةِ فِي الْحَدِيثِ ويُرَاد بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
في اللغات السامية:
نجد كلمة: (כתוֹב) العبرية وتنطق: (كَتوڤ/katúv) بمعنى : (يكتب/Write)، من الجذر: (כְּתַב) وينطق (كَتاڤ/katáv)، بمعنى : (كتب/Wrote).
اذن، ثمة إشارة الى أن كلمة: الـ(قطيف)، قد تكون لغة أو مرادف للـ(الخط) بمعنى: الشاطئ، وهو الاسم القديم للساحل الذي تقع عليه بلدة القطيف.
Jones, D. (2021). The Phoneme: Its Nature and Use. (n.p.): HASSELL STREET Press
اترك تعليقاً