( Toponymic typology )
(اسم المكان) هو في واقع الأمر: (دالّة) تدّل على: (مدلول)، وهو لذلك عرضة للظواهر الدلالية مثل: (التخصيص) و(التوسع) والانحراف الدلالي (semantic drift). فيما يلي تصنيف الطوبونيمات وفقاً لما قد تتعرض له (مدلولاتها) من تغيرات وتبدلات، مع مرور الأزمان واختلاف الأحوال.
طوبونيم شامر (totum pro parte):
(شَمَرَ) تعني :”ضاق عن الأصل” أو “تقلّص”. والمقصود هو أن التسمية تبدأ كـ(دالّة)، على مكان واسع المساحة، ثم يَحدث، لاحقاً، أن يضيق مدلول هذه التسمية، بحيث تقتصر على مساحة أقل اتساعاً وتنوعاً من الأصل. هذه الظاهرة تُسمى: (totum pro parte)، وهي عبارة لاتينية تعني حرفياً: (الكل للجزء)، بمعنى اطلاق (اسم الإقليم) على أحد أجزء هذا الإقليم.
ثمة أسباب عديدة لهذه الظاهرة من بينها: “نسبة القصبة للإقليم”، القصبة هي (العاصمة) أو (المدينة الكبرى) ذات الثقل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. والمقصود هو ان تحمل (الحاضرة الرئيسية) اسم الإقليم الذي تقع فيه، كما يقال الآن: (الشام) والمقصود هو مدينة: (دمشق)، أو كما يقال قديماً مدينة: (اليمامة)، والمقصود هو مدينة: (حِجر)، لأن اليمامة هو الإقليم الذي تقع فيه (حِجر). هناك أيضاً أسباب جغرافية وتاريخية ودينية وقومية تجعل من اسم الـ(البلاد)، لقباً لناحية من نواحيها أو لكورة فيها.
من أمثلة ذلك: الإٍسم: (بحرين)، الذي كان يطلق على الساحل الغربي للخليج، ثم (شَمَرت) التسمية لتقتصر فقط على جزيرة (أوال)، أي مملكة البحرين الحالية. إسم (البحرين) في هذه الحالة يمكن ان يسمى: (طوبونيم شامر)، الأمر نفسه يمكن أن يقال عن: (قطر)، لانها هي أيضاً تسمية قديمة، كانت تشمل الكويت وشبه جزيرة قطر ومابينهما، بما في ذلك الأحساء وجزر البحرين.
طوبونيم فارط (pars pro toto):
الـ(فَرَط) هو:”الزيادة على الأصل” أو “الزيادة وتجاوز الحد”. والمقصود هو أن التسمية تبدأ كـ(دالّة)، تشير الى (مدلول)، محدود المساحة، ثم يَحدث، لاحقاً، أن يُتَوسع في دلالة هذه التسمية، بحيث تشمل مساحة أكثر اتساعاً وتنوعاً من الأصل. هذه الظاهرة تُسمى: (pars pro toto)، وهي عبارة لاتينية تعني حرفياً: (الجزء للكل)، والمقصود هو إطلاق (اسم جزء من الإقليم) على كامل هذا الاقليم. مثال ذلك: الإٍسم: (إفريقيا)، الذي أُطلق ابتداءاً على (ساحل قرطاج)، ثم (فَرَطت) التسمية على سائر القارة.
هناك أسباب عديدة لهذه الظاهرة من بينها: “نسبة الإقليم للقصبة”، القصبة هي (العاصمة) أو (المدينة الكبرى) ذات الثقل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. والمقصود هو ان يُعطى الإقليم اسم (مقر السلطة) او الحاضرة الرئيسية، كما كان العراق يسمى: (بابيلونيا/ Babylonia) نسبة الى مدينة: (بابل/Babylon)، أو كما يقال اليوم: (بلاد الجزائر)، نسبة الى مدينة الجزائر العاصمة. هناك أيضاً أسباب جغرافية وتاريخية ودينية وقومية تجعل من اسم الـ(مَوضع)، عنواناً للبلاد التي يقع فيها. من أمثلة ذلك: (زمبابوي) وهو موقع أثري هام، يفتخر به السكان المحليين ايما إفتخار، لدرجة أنهم أعطوا بلادهم اسمه، وغيروها من: (رودسيا) الى (زمبابوي). محلياً هناك (الأردن ولبنان والكويت)، كل منهم يمكن ان يُسمى: (طوبونيم فارط)، لأن الأول (نهر) والثاني (جبل) والثالث (قلعة)، وفقاً للروايات المتداولة.
الصعوبة التي قد تواجه الباحث المواقعي عند دراسة (الفارط أو الشامر)، هي عندما تُفقد الصلة بين إسم الـ(جزء) وإسم الـ(كل). بحيث يتغير اسم الـ(كل) وتبقى التسمية القديمة مرتبطة فقط بالـ(جزء)، والعكس صحيح، أي يتغير اسم الـ(جزء) وتبقى التسمية القديمة مرتبطة فقط بالـ(كل). من أمثلة ذلك، أن قليل من الناس يعرفون ان (السودان) هو في الواقع: (طوبونيم شامر)، لأن هذه التسمية، أي السودان، كانت تطلق على كل ما يقع جنوب الصحراء (Subsahara)، بما في ذلك النيجر والسنغال. هناك أيضاً: (القُرين) وهي إحدى التسميات القديمة للكويت. القُرين (تصغير قرن)، كانت تطلق فقط على (جون الكويت)، ثم (فرطت) هذه التسمية على بقية القُطر.
طوبونيم نازح (shifted)
النزوح المقصود هنا، هو انتقال التسمية من مكان الى (مكان آخر)، غير بعيد عن المكان الأول، فيما يكتسب، المكان الأصلي، اسم جديد، بديل عن الإسم النازح، او يزول ويصبح (دارس/obsolete). من أمثلة ذلك (حائل)، يقول ياقوت الحموي في (معجم البلدان): “حائل وادٍ في جبلا طيء”، يقصد (أجا وسلمى). حائل الآن إسم يُطلق على مدينة كبيرة قريبة من هذا الوادي، أما الوادي نفسه فقد تغيّر اسمه الى: (الأديرع أو الدَّيرع). هناك أيضأ بلدة (الدرعية) النجدية، يقول المؤرخ حمد الجاسر، إن الذين أنشأوها وسكنوها كانوا قد قدموا من بلدة بناحية الظهران، يقال لها: (الدروع)، هُجِرت وعَفَت آثارها. وفي السودان: مدينة (حلفا) التي تسمى أيضاً: (حلفا الجديدة)، لأن سُكانها نزحوا من (حلفا القديمة)، بعد أن غمرتها مياه السد العالي.
طوبونيم سَمي (هومونيم/homonym)
هومونيموس (ὁμώνυμος) كلمة يونانية مركبة معناها الحرفي هو: “نفس الإسم”، ولها استخدامات في اللسانيات، والبيولوجيا وعلم أسماء الأماكن. في هذه الأخيرة، الهومونيم أو (السَمي) يُقصد به: (اسم مكان) يتطابق لفظاً وكتابة مع (اسم مكان) آخر. مثال ذلك: طرابلس اللبنانية وطرابلس الليبية، وللتمييز بينهما يقال للعاصمة الليبية: (طرابلس الغرب). كذلك مدينة:(زنجبار)، عاصمة محافظة أبين اليمنية، تسميتها تتطابق تماماً مع إسم جزيرة زنجبار التنزانية وعاصمتها: (زنجبار ستي/Zanzibar City). في الجزيرة العربية هناك أيضاً: (الظهران)، التي يقول عنها ابن منظور في (لسان العرب): “الظهران قرية من قرى البحرين”، المقصود بالبحرين هنا: ساحل الجزيرة على الخليج العربي. الظهران الآن مدينة مهمة في شرق السعودية ولها (هومونيم/سَميّة) في جنوب الحجاز، يُطلق عليها: (ظهران الجنوب) لتمييزها عن (ظهران الشرق).
سبب التطابق في التسمية يرجع لعدة أسباب، منها التالي:
1- أن يكون (دافع التسمية) هو نفسه، في الحالتين، وأن تكون بين التسميتين: (علاقة دلالية/semantic relationship)، كأن يُطلق على قرية من القرى اسم: (العين)، لأنها نشأت حول عين ماء. ويَصدُف لاحقاً ان تُسمى قرية أخرى بنفس الاسم، لانها هي أيضاً بُنيت بجوار عين ماء معروفة. هذا ينطبق على الطوبونيم: (طرابلس)، الذي يعني وفقاً للروايات الشائعة: (المدينة الثلاثية) أو (المدينة المثلثة).
2- أن تكون العلاقة بين التسميتين علاقة صوتية فقط: (هوموفونية/homophonic)، بمعنى ان احدهما (هوموفون/ homophone) للآخر، أي نظير صوتي فقط. بكلمات أخرى: يتشابهان في النطق ويختلفان في المعنى. هذا الأمر غالباً ما يشير الى عدم وجود رابط بين التسميتين وان التشابه ناتج عن توافق صوتي غير مقصود. مثال ذلك: مدينة: (سوسة) في تونس، وبلدة: (سوسة) في سوريا.
3- أن تكون العلاقة بين التسميتين: نَسَبيّة أو (إبونيمية/eponymous relationship)، الـ(إبونيم/eponym) هو مكان منسوب اليه مكان آخر، أو مُسمى على إسمه مكان آخر. الدوافع قد تكون: تَيَمُّن، تَبَرّك، حَنين، تشريف، مُجاملة.. إلخ.
من أمثلة ذلك: زنجبار عاصمة محافظة (أبين) اليمنية وزنجبار التنزانية. (أبين) كانت سلطنة مستقلة وكذلك جزيرة زنجبار، هي الأخرى كانت سلطنة عربية مستقلة. الرواية الشائعة تقول: ان الاسم الأصلي لمدينة زنجبار اليمنية هو: (أبين)، أي أن (سلطنة أبين) كانت تحمل اسم عاصمتها، كما هو الحال الآن مع الكويت، وابوظبي. الرواية تقول ان أحد سلاطين (أبين) قرر أن يغير اسم مدينة (أبين) الى (زنجبار)، نسبة الى اسم الجزيرة المشهورة، وشمل ذلك بعض أحياء (أبين) وسواحلها، التي غُيّرت مسمياتها لتتوافق مع أسماء الأحياء الراقية في الجزيرة. عالمياً هناك: (وادي الحجارة/Guadalajara) ثاني أكبر مدن المكسيك، التسمية اطلقها المهاجرون الأوائل، القادمون من مدينة في (اسبانيا) تحمل نفس الاسم العربي: (وادي الحجارة). وكذلك مدينة (بيت لحم) في الولايات المتحدة، التي تحمل اسم المدينة الفلسطينية المقدسة.
تصنيفات أخرى
الِمكرو-طبونيم (micro-toponym)
اسم مكان (ثانوي) يُطلق على (صغائر) الطوبونيمات، وما غَمُض منها وانزوَى. كالأسماء التي تطلق على بعض الأبار والعيون والبِرك والكهوف والميادين والبوابات والقناطر والأضرحة والمحِلات، والأزقة.. إلخ. من أمثلة ذلك: بئر زمزم، عين خسيف، الكرادة، غار حراء، حقفة رومل، الروشة، تلة (جبل) يشكر، درب الخزاعين، جسر شهارة، وما الى ذلك.
الماكرو-طبونيم (macro-toponym)
اسم مكان (رئيسي)، يُطلق على (كبائر) الطوبونيمات. بكلمات أخرى: (الماكرو) في الطوبونيميا هو: ما لا يُمكن وصفه بأنه: (مِكرو)، مثل البلدان والنواحي والمدن والقرى والبحار والانهار، ونحوها.
ميزة (صغائر) الطوبونيمات، هي تجذرها العميق في الثقافات واللهجات المحلية، ولغات المكان القديمة، وعدم تعرضها، في الغالب، للتحديث والعصرنة و(التفصيح) والتأثيرات السياسية. الإلتفات لهذا النوع من الطوبونيمات، بتفكيكها وتحليلها، من شأنه أن يساعد على (تقييم) نتائج دراسة معاني الطوبونيمات الأخرى، ذات العلاقة.
الطوبونيم المقصور (exclusive toponym)
هو (اسم مكان) تقتصر دلالته على (مُنشأة بشرية) بعينها، أو (مظهر طبيعي) محدود. كأن يُطلق الاسم على قرية من القرى، أو على (عين ماء) وحيدة، ولكن ليس على أرض تضم عدة قرى، أو على حقل واسع ملئ بالعيون.
الطوبونيم الشامل: (inclusive toponym)
نقيض (المقصور)، ويدل على الشمول والاحاطة والتضمين، والمقصود هو أن دلالة (اسم المكان) تشمل منشآت ومظاهر طبيعية عديدة، تشغل مساحة جغرافية أوسع من تلك التي يدل عليها الاسم المقصور.
طوبونيم: (جُذمور/oddment)
(الجُذْمُورُ)، هو: ” بقية كل شي مقطوع “، وجَمْعُها: “جذامير”. المقصود هو: جُذاذات أو بقايا (كيان كبير) تعرض للتفتيت أو التجزئة. في الطوبونيميا: هناك أسماء تطلق على مساحة واسعة من الأرض، ثم يَحدث ان تُترك هذه التسمية وتُنسى وتصبح: (دارسة/obsolete). المُلاحظ ان هذا الإسم (الشامل المنسي)، قد يظل حياً، ولكن كمسميات (مقصورة) لـ(مظاهر طبيعية) أو (منشآت بشرية) داخل الإقليم الذي كان يحمل الاسم الشامل.
مواضيع ذات علاقة:
اترك تعليقاً