يتفرع من علم “اللسانيات التاريخية/ historical linguistics” مجال معرفي يُسمى: التأصيل أو “التأثيل/etymology”، وأحياناً يُعرّب الى: (الإتيمولوجيا). هذا (العلم) يُوَظِف مناهج بحث لغوية متخصصة لتتبع أصول “الكلمات المعجمية” وتحليل تراكيبها الصرفية، والكشف عن جذورها الصوتية، وذلك بُغية فك طلاسم دلالاتها الأصلية الدفينة. عدم اتباع هذه المناهج عند البحث في أصل كلمة ما، يسمى: تأثيل العوام أو “التأثيل الشعبي/folk etymology” أو “التأثيل الزائف/false etymology”. والمقصود هو تأويل أو تأصيل عشوائي،ارتجالي، مبني على التخمين والتصورات المضللة والمعلومات المنقوصة والقياسات الخاطئة والتفسيرات المغلوطة والاستنتاجات غير المنطقية.
اذا عدنا للطوبونيما، نجد أن إسم المكان، في الغالب الأعم، يحمل: “دلالة معجمية”، هذه الدلالة قد تكون واضحة ومفهومة أو سهلة التأويل، مثل: القاهرة، المنصورة، البيضاء، أم النار، بيت الفقيه، الزرقاء.. وغيرها.
ولكن، وفي حالات أخرى عديدة (معنى اسم المكان) قد يكون ملتبس، عرضة للتَخَرُّص والتخمين، ويحتمل تأويلات مختلفة، مثل: مكة، ودومة الجندل، والحيرة، والوركاء، والجرهاء، وغيرها كثير. التفسيرات المشهورة لمعاني أسماء هذه المدن، هي في الغالب، نتاج: “تأثيل شعبي”، بحاجة الى مراجعة وتثـبـُت.
أرباب (الإتيمولوجيا) أسهبوا في وصف تأثيل العوام، وتتبعوا اساليبه، ووضعوا لها المسميات، والتعريفات، وذيلوها بالشروحات. في السطور التالية شرح مختصر لبعض أسباب التأثيل الشعبي:
1- تأثير (الإشتراك اللفظي/homophone)
“المُشترك اللفظي” ويُسمى أيضاً “الهوموفون”، هو كلمة تشترك مع كلمة أخرى في “الجذر المعجمي/lexical root” وتختلف معها في المعنى. أي أن الكلمتان: تتشابهان لفظاً وكتابة، وتختلفان في الدلالة. هذه الظاهرة تشئ، في كثير من الحالات، بأن الكلمتان تطورتا من جذرين مختلفين وأنهما ليسا (كلمة واحدة) ذات معاني متعددة، أي: “بوليسيمي/polysemy”.
هذا الأمر قد يدفع عامة الناس الى: (الربط دلالياً)، بين كلمة: (مجهولة المعنى)، وكلمة أخرى: (معلومة المعنى)، فقط لانهما تتشابهان في: (اللفظ). وقد يعزز ذلك الربط، بعض الـ(مصادفات) التي تُفسَر على نحوٍ مُضلِل.
مثال ذلك : ما ذكره إيسيدور الإشبيلي (ت: 636) عن معنى كلمة (Briton/بريطاني)، في كتابه الشهير: (Etymologiae).
يقول المؤرخ الإسباني، الذي يُعتبر أعلم أهل زمانه، أن كلمة (Briton) مشتقة من الكلمة اللاتينية: (bruti)، والتي تعني: (متوحش أو همجي)! هذا الربط قد يعود الى تأثير التشابه الصوتي إضافة، ربما، الى انطباعه عن سكان الجزر البريطانية في ذلك الزمان.
مثال آخر: الـ(هِلْيَوْنُ) وهو نبات عُشبي واسع الانتشار.الهيلون هذا، كان يُعرف في إنجلترا القديمة باسم: “اسبيريگس/Asparagus”. عامة الناس هناك كانوا يعرفون ان هذه الكلمة هي (اسم) لهذه العشبة، ولكنهم كانوا يجهلون أصلها ومعناها الحرفي. ومع مرور الوقت بدأوا يربطونها بكلمة انجليزية، قريبة منها صوتاً، وهي: “اسبيروگرَس/sparrowgrass” التي تعني حرفياً: (عشبة العصفور). الإسم : “Asparagus” هو في الواقع، كلمة ذات أصل يوناني، ومعناها الأصلي لاعلاقة له بالعصافير.
في الثقافة العربية هناك أمثلة عديدة من بينهما: (بكة/băkkăt).
(بكة)، اسم مكان، ورد في القرأن الكريم كالتالي: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}. الرأي الغالب بين المفسرين هو أن (بكة) إسم آخر لمدينة: (مكة المكرمة).
ولكن هناك خلاف حول المعنى المعجمي لكلمة: (بكة).
(بكة): تتركب من (مورفيم دلالي/content morpheme) + (مورفيم وظيفي/functional morpheme)
للمزيد عن المورفيمات.. إضغط هنا
المورفيم الدلالي هو: (بَك/băk).
المورفيم الوظيفي هو: (لاحقة التأنيث/feminine suffix) أي التاء المربوطة: (ة / -ăt).
المطلوب هو: (الجذر الصوتي/phonetic root) للمورفيم الدلالي: (بَك).
الجذر الصوتي يتكون من الصوامت فقط، وهو في هذه الحالة: /ب/ + /ك/.
هذا الجذر موجود في كلمات عربية عديدة من بينها:
بكك = خرق،قطع، دق. وأيضاً: تراكم وازدحم.
بَكَأ = قلّ اللبن في، أو انقطع من، ضرع الشاة.
بَكا (أو بكى) = البُكاء هو النحيب وذرف الدموع.
(أهل التأويل) الذين اعتمد عليهم علماء تفسير القرآن، ربطوا بين معنى (بكّة)، ومعاني الكلمات الثلاث المذكورة أعلاه، وذلك بسبب العلاقة الـ(هوموفونية/homophonic) بين جذر (بكة) وجذور تلك الكلمات. هنا عرض موجز لاشهر التفاسير:
– جاء في (تفسير ابن كثير) أن: “بكة، من أسماء مكة على المشهور، قيل سميت بذلك لأنها تُـبْْـكِ أعناق الظلمة والجبابرة ، بمعنى : يَبكون بها ويخضعون عندها”.
– صاحب (تفسير البغوي) ينقل عن عبد الله بن الزبير قوله: “سميت بكة لأنها تَـبُـك أعناق الجبابرة ، أي تدقها فلم يقصدها جبار بسوء إلا قصمه الله”.
– وفي (تفسير الطبري) : “بكة مشتقة من البَـك وهو الازدحام . تباك القوم ازدحموا . وسميت بكة لازدحام الناس في موضع طوافهم”.
– أما (تفسير الوسيط) فيقول، بعد ان كرر التأويلات السابق: “قيل إنها مأخوذة من بكأت الناقة أو الشاة إذا قل لبنها، وكأنها إنما سميت بذلك لقلة مائها وخصبها“.
– الشيخ عبد العزيز بن باز يعلّق على هذه التأويلات بلغة أكاديمية حذرة، ويقول: “مكّة من أسمائها: مكّة، وبكّة، والأظهر والأشهر أنَّ الأسماء لا تُعلل، وقد تكون لها عللٌ في بعض الأحيان”.
2- التفكيك الإرتجالي (metanalysis)
التفكيك الإرتجالي هو فصل (مقاطع الكلمة) او تفكيك أجزاء (المورفيم المركب) بطريقة غير مبررة لغوياً. وقد يستتبع ذلك إعادة ترتيبها وتفسيرها، وإشتقاق تراكيب ودلالات جديدة، بناءاً على هذا التصور المغلوط.
السبب المرصود لهذه الظاهرة هو: التفسير الخاطئ لمعاني أجزاء (المورفيم المركب) أو (مقاطع) الـ(مورفيم المجرد).
للمزيد عن المورفيمات.. إضغط هنا
مثال ذلك:
أداة النسب: (er-) الإنجليزية، التي تعتبر (مورفيم وظيفي مقيد)، يُقيّد ببعض الأسماء ليفيد النَسب والانتماء والتبعية، مثل:
(Londoner) و(New Yorker)، وتعنيان: الذي من مدينة (لندن) أو الذي من مدينة (نيويورك) أو الذي ينتمي إليهما.
هناك أيضاً: (Hamburger) وتعني: الذي من مدينة: (هامبرغ/Hamburg) الألمانية، أو الذي ينتمي إليها.
(هامبرغر) هذه، اصبحت تطلق على نوع من الشطائر أو (الساندويتش)، المميز المعروف، والمقصود هو: (شطيرة مدنية هامبرغ) او (الشطيرة التي من مدينة هامبرغ).
في المجتمعات المحلية الناطقة بالانجليزية في أمريكا الشمالية وغيرها، كلمة (Hamburger) ليس لها معنى سوى أنها اسم لهذا النوع من الشطائر، وعامة الناس هناك كانوا لا يعرفون، أو لا يسعون لمعرفة أصل هذه الكلمة، ومعناها الحرفي.
ومع مرور الوقت بدأ هؤلاء يتخيلون او (يتهيأ لهم) أن: (هامبرغر) كلمة مركبة من جزئين: (burger)+(Ham).
وأن الجزء الأول، أي: (Ham)، هو الكلمة الإنجليزية: [ham] والتي تعني: [لحم فخذ الخنزير]، وذلك بسبب (الإشتراك اللفظي أو الهوموفوني) الموضح في الفقرة السابقة.
وبناءا على ذلك، فُسرت (هامبرغر) بأنها تعني: (شطيرة لحم الخنزير)، وأن معنى الجزء الثاني، أي (burger/برغر)، لا بد أن يكون: (شطيرة مُدَوّرة).
(burger) هذه، انتشرت وتحولت الى كلمة انجليزية بهذا المعنى (المُتخيل)، ودخلت المعاجم الرسمية لهذه اللغة. وتالياً، نتج عن ذلك: (قياس خاطئ)، بحيث يقال: (beef burger) و(chicken burger)، أي (شطيرة لحم بقر) و(شطيرة لحم دجاج).
هذا الأمر يحدث في أسماء الأماكن أيضاً، مثال ذلك: (حضرموت) و (شرقاط).
– (حضرموت)، اسم بلاد واسعة تقع بين اليمن وعُمان، في جنوب الجزيرة العربية.
أشهر تأويل لمعنى هذا (الطوبونيم) هو أنه مكون من جزئين، الأول: (حضر)، والثاني: (موت)، وبالتالي فالمعنى هو: (جاء الموت والهلاك). هذا التفسير يوجد أيضاً في: كتاب “معجم البلدان” للحموي، الذي يشير الى أن حاكم تلك البلاد :”حضر حرباً أكثر فيها من القتل فلُقّب بذلكّ!”، بمعنى انه (يجلب الموت) لاعدائه!
تأويلات شعبية طريفة من هذا النوع، موجودة أيضاً في: (أسفار بني إسرائيل)، حيث ورد اسم حضرموت بهذه الصيغة: (חֲצַרְמָוֶת/حصرموت) وفُسر بأنه من مقطعين، الأول : (חצר) ويعني (حِجر أو حِصن)، والثاني: (מות) ويعني (موت وهلاك)! ولعل هذا ما دفع البعض للقول بأن الكُتاب المسلمين أخذوا هذا التأثيل من (الإسرائيليات).
ومن المحاولات الحديثة ما ذكره المؤرخ كمال الصليبي من ان: (-وت) تعني مكان، فيما: (حضرم-) تعني أخضر، وبذلك يصبح المعنى الكامل هو: (المكان الاخضر)!
– (شرقاط)، مدينة عراقية نشأت في موقع العاصمة الآشورية القديمة (آشور)، ويقال إن اسمها مأخوذ من اللغة الآشورية، وأصله (آشور- كات) أي (بوابة آشور) أو (غابة أشور). رأي آخر يذهب الى أن الأصل هو (شير-كاتا) التي تعني (مدينة الذئاب).
3- إيبونيم زائف (false eponym)
الـ(إيبونيم/eponym) مصطلح لساني يُترجم الى: (مُعطي الإٍسم)، أو: (المُسمى على إسمه) أو: (المنسوب إليه).
والمقصود هو (مكان) أو (قوم) أو (شخص) يسمى على إسمه إو على إسمهم مكان مُعّين.
من أمثلة ذلك (الإسكندرية)، الإيبونيم في هذه الحالة هو: (الإسكندر المقدوني)، لأن تلك المدينة تحمل إسمه. أما المدينة نفسها فتسمى: (طوبونيم إيبونيمي/eponymous toponym)، بمعنى: (إسم مكان نَسَبي)، أي منسوب الى شخص أو قوم أو مكان أخر.
وبناءاً على ذلك، تسمى العلاقة بين الإثنين: علاقة إيبونيمية (eponymous relationship).
هذا الأمر يشمل أيضاً (إسم قوم/ethnonym)، مثل: السودان، هذه التسمية كانت في الأصل تطلق على سكان جنوب الصحراء الكبرى، ويقابلها: (البيضان) شمالاً. وبهذا يكون هؤلاء السودان هم (إيبونيم) المكان الذي يعرف الآن بإسم: (سودان).
في علم الأسماء، يقال للكنية أو اللقب أو الاسم الذي يحمله شخص ما: (أنثروبونيم/anthroponym)، وهي كلمة يونانية مركبة من: (انثروبُس) و(نوموس)، الأولى تعني: (انسان) والثانية: (إسم). وبذلك يمكن ترجمته الى: (اسم شخص) او (اسم شخصي).
هناك أيضاً: (إثنونيم/ethnonym): وهو مصطلح مكون من مقطعين، الأول: (اثنو-) ويعني عرقي او قومي، والثاني: (-نيم) ويعني: (اسم). وبذلك يمكن ترجمته الى: (اسم عرقية) او (اسم قوم) من القوميات.
في الطوبونيميا يُتَوسع في استخدام هذا المصطلح ليشمل كل جماعة بشرية تتوحد تحت أي مسمى، مثل: (أسرة)، (عشيرة)، (قبيلة)، (شعب)، (طائفة)، (أمة).
الدراسات المواقعية لاحظت أن العديد من أسماء الأماكن لها أصول أنثروبونيمية أو إثنونيمية، منها: (الإسكندرية)، لأن الاسكندر المقدوني يعتبر (أنثروبونيم/إسم شخص). وكذلك: (السودان)، لان المعنى الأصلي للكلمة هو: (الناس السُمر)، وهي بذلك: (إثنونيم /إسم قوم).
من أمثلة الطوبونيم ذو الأصل الأنثروبونيمي: مدينة (بنغازي)، وهي كما يقال تنسب لضريح رجل صالح يقال له: (سيدي بن غازي).
أنثروبونيم: (سيدي بن غازي) —-> طوبونيم: (بنغازي).
من أمثلة الطوبونيم ذو الأصل الأثنونيمي: إقليم: (الأندلس)، الرواية الشائعة هي أن التسمية مشتقة من إسم شعب جرماني يقال له: (وندالوس). هؤلاء: (الوندال)، عزوا جنوب أسبانيا وشمال أفريقيا في القرن الخامس الميلادي، وأقاموا هناك امارات ودويلات سادت حين من الدهر ثم بادت.
أثنونيم: (وندالوس) —-> طوبونيم: (الأندلس).
الإختلاق والتوهم:
الإيبونيم قد يكون مُتخيّل او مختلق، أو قد يكون موجود وحقيقي ولكن الـ(العلاقة الإيبونيمية) بينه وبين: (إسم المكان) هي المختلقة أو المتخّيلة.
مثال ذلك: “مصرايم بن حام بن نوح، (اسم شخص/ أنثروبونيم)، ورد في الاسرائيليات على اعتبار انه الجد الذي انحدر منه المصريون، وأن كلمة “مصر” مشتقة من اسمه.
ظل الناس لقرون طويلة يؤمنون بصدق هذا التأثيل الشعبي، بما في ذلك الكُتاب المسلمون الأوائل.
المؤرخون المعاصرون فندوا هذه التخرُّصات، وأثبتوا أن “مصر” اسم أطلقه الساميون، في العراق والشام، على (أرض الكنانة)، وان سكان مصر القدماء لم يسموا بلدهم بهذا الإسم.
مثال آخر: هو أن سكان بريطانيا كانوا يعتقدون أن إسم بلدهم: (Britannia)، مشتق من (بروتوس/ Brutus) وهو إسم لبطل أسطوري يُعتقد أنه سليل أينياس بطل طروادة. اتضح لاحقاً أن الرومان عندما احتلوا جزيرة بريطانيا، تبنوا تسمية كلتية محلية لها وهي: “بريتاني/Pretani”، التي يُعتقد ان معناها: الناس (المنمشون)، أو (الموشومون/tattooed).
الملاحظ هنا أن : (Brutus)، (اسم شخص/ أنثروبونيم)، أما : (Pretani)، فهو: (إسم قوم/ أثنونيم)، وكل منهما : (إيبونيم)، لكن الأول : (إيبونيم زائف/false eponym) والثاني: (إيبونيم حقيقي/true eponym).
الإيبونيم الزائف، ظاهرة منتشرة عند القدماء في الشرق والغرب، ومنهم العرب. وهنا بعض الأمثلة من كتاب “معجم البلدان” ومصادر أخرى:
– بلاد حضرموت:
“قيل: سميت بـ(حاضر ميّت) وهو أول من نزلها، ثم خفف بإسقاط الألف” .
“قيل أن حضرموت اسمه عامر بن قحطان وإنما سمي حضرموت لأنه كان إذا حضر حربا أكثر فيها من القتل فلقب بذلك”
– بلاد عُمان:
“قال الزجاجي: سميت عمان بعمان بن إبراهيم الخليل، وقال ابن الكلبي: سميت بعمان بن سبأ بن يفثان بن إبراهيم خليل الرحمن لأنه بنى مدينة عُمان”
– مدينة عَمّان (الأردن):
“ذُكر عن بعض اليهود أنه قرأ في بعض كتب الله: أن لوطا، عليه السّلام، لما خرج بأهله من سدوم هاربا من قومه التفتت امرأته فصارت صبار ملح وصار إلى زغر ولم ينج غيره، وأخيه وابنتيه، وتوهم بنتاه أن الله قد أهلك عالمه فتشاورتا بأن تقيما نسلا من أبيهما وعمهما فأسقتاهما نبيذا وضاجعت كل واحدة منهما واحدا فحبلتا ولم يعلم الرجل بشيء من ذلك وولدت الواحدة ابنا فسمته عمّان أي أنه من عم وولدت الأخرى ولدا فسمته مآب أي أنه من أب، فلما كبرا وصارا رجلين بنى كل واحد منهما مدينة بالشام وسماها باسمه، وهما متقاربتان في برية الشام، وهذا كما تراه ونقلته كما وجدته، والله أعلم بحقه من باطله”.
تأويل (أبناء) و(بني):
[بن/bĭn]، كلمة سامية وعربية تُطلق على: “كلّ ما ترتب على غيره بالسببيّة أو التبعيّة أو الملازمة أو المشابهة“.
من ذلك معنى (الولد) في: “عيسى بن مريم”، و”بني إسرائيل”.
وكذلك (الانتماء) مثل:
“أبناء فارس“، وهم “قَوْمٌ من العَجَمِ، سَكَنُوا اليَمَنَ”، كما ورد في (القاموس المحيط).
و”بني غَبْراء” وهو “اسم للصَّعاليك الذين لا مال لهم سُمُّوا بني غَبْرا للزُوقهم بغَبْراء الأَرض، وهو ترابها”.
وقد يضاف اليها لقب، كما في:
“بني العنقاء” وهم حَيٌّ من العرب.
في اللغات السامية الأخرى، مثل الآرامية، يقال لسكان بابل: “בני בבל/بني بَبِل”، كما ورد في سفر دانيال.
كلمة: (בני) هنا، هي نفسها الكلمة العربية: (بني)، وبنفس المعنى، أي: (أولاد أو ذرية)، ولكن المقصود في هذا السياق هو:
(أهل بابل/people of Babylon) وسكانها والمنتمين اليها.
لاحظ الباحثون المعاصرون أن كلمة: (بني)، فُسّرت في كتابات المسلمين الأوائل بأنها دائماً وأبداً تعني: (أولاد أو ذرية)، وأن المضاف اليها هو بالتأكيد: اسم عشيرة أو قبيلة، أي: (أثنونيم). وأن هؤلاء الكتاب ومن ينقلون عنه من “أهل الأخبار”، استبعدوا ان يكون المقصود هو إسم مكان، كما هو الحال في: (أولاد فارس)، و(بني غَبْراء) و(بني بابل).
من ذلك قولهم أن “بني قين”، هم قبيلة وجدهم يسمى (قين). رغم أن هذا الأخير اسم قديم لمنطقة خليج العقبة ومن معانيه: (بلاد الحدادين).
وكذلك قولهم أن “بني عامر”، هم قبيلة وجدهم يسمى: (عامر). رغم ان: (عامر وعَمرو ومقلوبها عرم) تعني: الشط والساحل. وأن المقصود هو: أهل الساحل، سكان الساحل، السواحلية، البحارنة، أهل البحر.. إلخ.
اترك تعليقاً