الأحقاف.. المعنى والموقع

الأحقاف

“الأحقاف”، إسم مكان (طوبونيم) ورد ذِكره في القرآن الكريم، ولم يُذكر في أي مصدر آخر، لا في أقوال وأشعار العرب قبل الإسلام، ولا في النصوص السامية أو الإغريقية والرومانية القديمة. المفسرون الأوائل إختلفوا في تأويل معنى “أحقاف”، ولا زال هذا الإختلاف قائماً حتى اليوم.

الثابت أن “الأحقاف” صيغة جمع، لكلمة : “حقف”، وهي مادة معجمية متعددة الإشتقاقات (لكسيم/lexeme) ومتعددة الدلالات (بوليسيمي/ polysemous)، لكن هذه الإشتقاقات والدلالات تنطلق من جذر واحد، مما يساعد على الوصول الى المعنى السياقي الأصلي لـ”أحقاف”.

في البداية، من المهم الإشارة الى أن بعض اللغويين القدماء والمحدثين أدركوا نقص وقصور المعاجم المصنفة في العصور الإسلامية الأولى. تلك المعاجم أهملت الكثير من الكلمات والدلالات التي كانت فصيحة ودارجة على لسان العامة في زمانهم. يقول أبو منصور الأزهري صاحب كتاب “تهذيب اللغة”، الذي اعتمد عليه ابن منظور في تصنيف معجم “لسان العرب”: “ولو أنني أودعت كتابي هذا ما حوته دفاتري، وقرأته من كتب غيري، ووجدته في الصحف التي يكتبها الوراقون، وأفسدها المصحفون، لطال كتابي“. ويقول د. محمد جبل في كتابه “الاستدراك على المعاجم العربية“: “لقد جهد الأئمة اللغويين في تدوين ثروة اللغة العربية من متن اللغة، ووضعوا المعايير لما ينبغي أن يعتد به من الكلام فيدون، و ما لا ينبغي فيهمل، وكان من الطبيعي إزاء سعة العربية تلك أن تند عنهم نواد فلا تدون، كما أن غيرتهم على العربية جعلهم يتشددون في معايير ما يقبل ويدون، وما لا يقبل ولا يدون ، فأغفلوا من تلك الثروة اللغوية قدراً كبيراً طيباً لأن معاييرهم لم تجزه. وهذه الثروة اللغوية الضائعة – أعنى ما ند عن المعاجم من المفردات والعبارات الداخلة في نطاق ما يحتج به، وما أغفله اللغويون عمداً لأنه خارج عن نطاق ما يحتج به حسب معاييرهم – هي موضوع هذا الكتاب”.

لغويون آخرون يؤكدون أن اللهجات العربية تزخر بكلمات فصيحة (أو دلالات إضافية لتلك الكلمات) أهملتها المعاجم القديمة. لعل من بين هذه الدلالات المهملة، أن كلمة “أحقاف” قد تأتي بمعنى “كهوف”، كما هو الحال في لهجات عرب شمال أفريقيا وغرب مصر. في اللهجات العربية هناك، المغارة في الجبل، تسمى: “حقفة” وتُجمع: “أحقاف”. في السطور التالية سنبحث عن (وجه الدلالة/word sense) هذا، لكلمة “أحقاف” أي المغاربية: “كهوف” ( أو أكهاف).

حقفة الضبعة ( كهف الضبعة ) في ليبيا

ورد في لسان العرب لإبن منظور أن: “كل موضع دُخل فيه فهو حِقْفٌ، ورجل حاقِفٌ إذا دخل في الموضع“.
إذن الحقف قد يأتي بمعنى: “كِن” أو “حِجر”.

الأَكنانُ :هي الغِيرانُ ونحوها يُسْتكَنُّ فيها ، واحدها كِنٌّ وتجْمَعُ أَكِنَّة ، وقيل : كِنانٌ وأَكِنَّة”.
-الحٍجر (أو الحجرة) : هو “الموضع المنيع”.

“لسان العرب” يشير كذلك الى أن الحقف هو: “أصل الجبل“، (الأَصْلُ : أَسفل كل شيء).

أي أن المقصود هنا بـ”أصل الجبل” هو: “حقف الجبل“.

وجاء في “تاج العروس” للزبيدي، أن: “حقف الجبل: ضبنه“.

أي أن “حقف الجبل” تعني: “ضبن الجبل“.

من معاني كلمة “ضبن”: “الحضن”

أي أن “ضبن الجبل” تعني: “حضن الجبل“.

ومن معاني الحضن : “الوِجار” (وتنطق أيضاً: الوِجر).

الوِجار هو “الحِجر” (أي: الموضع المنيع). و”الوِجر” : “مثل الكهف يكون في الجبل“، و “وَجرُ الْحَيَوَانِ” : “الْمَغَارَةُ الَّتِي يَأْوِي إِلَيْها فِي الْجَبَلِ“.

إذن الوجار والوجر هو الحِجر والكهف والمغارة، وهو من معاني الحضن.

والحضن هو الضبن. وعليه، يمكن القول أو “ضبن الجبلهو الحِجر في الجبل أو الكهف والمغارة.

ولأن الضبن هو الحقف، إذن الحقف يمكن أن يكون “الحِجر” أو”الكهف” أو”المغارة“.

وهذا يتطابق تماماً مع معنى “أحقاف” في لهجات عرب شمال أفريقيا وغرب مصر.


“حَقفة رومل”، الكهف الذي اتخذه ( إرفين روميل) مقراً لقيادته للقوات الألمانية في شمال أفريقيا.

تأثيل “حقف”

لحسن الحظ ، كلمات اللغة “لاتفنى” ولا تختفي الى الأبد، الكلمة التي يُعتقد انها تعرضت للفناء ولم تعد موجودة، هي في الواقع لاتزال “حية ومُنتِجة” ولكن بصيغ اخرى طرأ عليها بعض التغيرات الصوتية والصرفية والدلالية.

الكلمة الأصلية، التي اشتقت منها هذه الصيغ الجديدة، تسمى “جِذم/etymon”.

اذا كانت الصيغة الأخرى تتطابق مع “الكلمة الجذم” في المعنى والدلالة، تسمى “لُغَيّة/byform”، والجمع “لُغَيّات”. أما إذا إختلفت دلالتها إختلافاً طفيفاً عن الكلمة الأصلية، فتسمى تلك الصيغة الأخرى: “عديلة/doublet” والجمع “أعدال”، وإذا كان هذا الإختلاف كبيراً: سميت: “عديلة بعيدة/distant doublet”.

أهمية هذا الأمر تتمثل في أن: بعض الصيغ المتفرعة قد تحتفظ بدلالة قديمة، لم تعد تعتبر من دلالات صيغة أخرى لنفس “الجذم”. مثال لذلك: الكلمة الأكدية السامية القديمة: “kappu”، والتي من معانيها: “فجوة راحة اليد” و “وعاء صغير من الخشب”. هذه الكلمة السامية، لها في العربية عدة صيغ، منها: “قفة” (وعاء خشبي)، و: “كف” (راحة اليد).

هنا نجد أن المعنى الثاني لكلمة: “كف“، موجودة (في المعاجم العربية) ولكن تحت “صيغة أخرى” أصبحت كلمة أخرى وهي: “قفة“.

[ملاحظة: صوت الباء المهموسة (p/پ) في اللغات السامية، يتحول تلقائياً الى: (f/ف) في اللغة العربية.]

الـ”الجذم/etymon” هو: “كلمة قديمة تطورت منها كلمات أخرى، عبر تغيرات صوتية، قد تؤثر على الدلالة، جزئياً أو كلياً”. مثال لذلك: “عصَر، يعصر”، و: “حصَر، يحصُر”، الجذم لكل منهما هو “صَرّ، يصُر“. (الحاء والعين في حصر وعصر، مكتسبة).

الـ”لُغَيّة/byform”،(جمعها لُغَيّات)، ، تُعرّف بأنها: “صيغة لفظية (phonetic form)، أخرى للجذم، غالباً ما تكون أقل شيوعاً واستخداماً من الصيغة الأصلية”. مثال لذلك: الكلمة العربية: “صاقعة” التي تعتبر لُغَيّة في: “صاعقة“.

الـ”العديلة/doublet”،(جمعها أعدال)، هي: “كلمة قد تبدو مختلفة عن كلمة أخرى، ولكن تشترك معها في جذم قديم له جذر دلالي أولي”. الـ”الجذر الدلالي”: هو “المعنى الأصلي للجذم، الذي تطورت [بعيداً عنه] معاني الصيغ التي أشتقت من هذا الجذم”. مثال لذلك: “ضاحية”، و”ضيعة”. وكذلك: “نور“، “نار” و “نهار“، هذه الكلمات الثلاث تعتبر “أعدال”، من جذم قديم واحد. مثال آخر أوضح وهو “صيت“، “صوت“، و”صدى” (الدال هي التاء المجهورة).

جِذم ← لُغَيّة ← عديلة ← عديلة بعيدة.

مثال : صَر ← زَر ← عَصر ← صَهر.

لُغَيّة:

الكلمة اللغوية، كما هو معروف، قد تظهر بصيغة واحدة فقط، ذات دلالة واحدة فقط، ثم ما تلبث أن تتحول الى جذم، تشتق منه صيغة أخرى. هذه الصيغة الأخرى قد تكون “لُغَيّة“، أي مجرد طريقة لفظ أخرى لـ”الكلمة الجذم“، مثل: “أراق و أهرق“، “حلق و حلقوم“، “الحِنّاء و الهِنّاء“، إلخ.

عديلة:

في حالات معينة، هذه الصيغة الثانية، أو”اللُغَيّة”، قد تحتفظ بالدلالة الأصلية الى جانب دلالة فرعية جديدة، تميزها قليلاً عن “الكلمة الجذم“، ولكن ضمن المعنى العام للصيغتين، مثل: “نعق” و “نهق“. الصيغة الثانية في هذه الحالة، لم تعد: “لُغَيّة” بل أصبحت: “عديلة/doublet”.

-“نعق” و “نهق” وهما في الأصل صيغتين للجذم: “نق، ينق” لأن أصوات الحلق والحنجرة: “الهمزة، والهاء، والحاء، والعين” هم من الناحية التاريخية أصوات زائدة وليست أصلاً في بناء الكلمة، ولكن يحدث أن توظفها اللغة لـ”تنويع دلالة الكلمة” التي تلحق بها هذه الأصوات الأربعة.

عديلة بعيدة:

في حالات أخرى، هذه العديلة، قد تتطور، مع مرور الوقت، صوتياً ودلالياً وصرفياً، لتصبح شديدة الاختلاف عن الكلمة الجذم. في هذه الحالة، قد تُعتبر هذه الصيغة الثانية: “عديلة بعيدة/distant doublet”، تبدو كما لو كانت “كلمة أخرى” لاعلاقة لها بالكلمة الجذم مثل: “ذهبي” و”أصهب“.

– “ذهبي” و “أصهب”، كلمتان لهما نفس المعنى (مرادفات)، لأن الأصهب هو الذهبي، والذهبي هو الأصهب.
“أصهب” (وبالتصغير: صُهيب) صفة لذو الشعر الأشقر الذهبي، مشتقة من الصُهبة، أي الصفرة ولذلك يقال للأسد صُهيب لغلبة اللون الأصفر على شعره.
الكلمة الجذرية من “صهبة” هي: “صَهَبَ“.
“الذال” (ذ)، صوت أسناني نادر، يحل في الغالب محل “السين” (س) وفي حالات أقل محل “الدال” (د).
وعليه، كلمة :”ذهب” يمكن ان تنطق “سهب” وبتفخيم السين الى صاد، تصبح: “صهب“.
إذن يمكن القول، أن: “أصهب” و”ذهبي”، أعدال (doublets)، تعودان الى كلمة جذمية واحدة.

للتثبت أكثر، ننتقل الى كلمة أخرى شبيهة وهي “ذَهَبَ، يذهب” أي غادر وابتعد. “ذهبَ” هذه، لها نفس بناء وأصوات كلمة “الذهب” (المعدن)، لكنها كلمة مختلفة تماماً. أحد أوجه الشبه بينهما هو أن “الذال” فيها حلت محل “السين” الأصلية أيضاً.
ذهب > سهب > وبحذف الهاء تصبح > “سب”. ( “الهمزة، والهاء، والحاء، والعين” أصوات، تاريخياً، زائدة.)
“سب” هذه، هي الكلمة الجذرية لـ”ساب، سيب، يُسيّب”.

جاء في (معجم اللغة العربية المعاصر): “ساب العصفورُ، أي ذهب حيث يَشاء”. وجاء في (لسان العرب): “ما سُيِّبَ وخُلِّي فسابَ ، أَي ذَهَبَ” .

إذن يمكن القول، أن: “ذَهَبَ” و”ساب”، أعدال (doublets)، تعودان الى كلمة جذمية واحدة.

التغيرات الصوتية تشمل:
1- القلب المكاني مثل: “صاقعة” و”صاعقة”، الفرق هو “قلب مكاني” بين “القاف” و”العين” في الصيغة الثانية، لأن الصاقعة من أسماء الصاعقة.

2- الإبدال الصوتي مثل: “مد” و “مط”، الفرق هو إبدال الـ”دال”” طاءاً” في الصيغة الثانية، لأن المعنى الأصلي للكلمتين واحد. وهناك أيضاً: “وكر – وجر“، “حِنّاء – هِنّاء“، إلخ.

3- الطرح والزيادة مثل: “جثة – جثمان“، “مر – مرق“، “كب – نكب“، “مس- لمس“، “أراق – أهرق” وغيرها كثير.

الزيادة” الصوتية تحديداً، مهمة بشكل خاص في هذا البحث . زيادة صوت أو مقطع، قد يُنوّع دلالة الكلمة أو قد لا يُحدث تغيير يذكر. من أمثلة ذلك كلمة “أهرق” وهي لغة في “أراق”، جاء في المعاجم العربية: “أهْرَقَ الْمَاءَ = أَراقَ الماء، أي صَبَّهُ، سَكَبَهُ”، زيادة صوت “الهاء” في “أهرق” لم تغير الدلالة.

أيضاً “كب و نكب“، المعنى الأصلي هو: “عَكْس الإتجاة”، ومن ذلك “الإنقلاب”، مثل: “نَكَبَ الجَعْبَةَ: قلبّها ونثر ما فيها” و”كب الإناء: قلبه على رأسه“، زيادة صوت “النون” في “نكب” لم تغير الدلالة الأصلية.

وبالمثل “مس و لمس“، لهما نفس المعنى الأصلي: “مسَّ الشَّيءَ: لمَسه بيده“، زيادة صوت “اللام” في “لمس” لم تغير الدلالة الأصلية.

ملاحظات:

– صوت الحاء في (حقف) يشبه صوت “النون” في: “نكب“، وصوت “اللام” في “لمس” أي أن الأصل هو: “قف” وليس “حقف”.

– صوت القاف في (قف) إبدال للكاف، لأن القاف، تاريخياً، مجرد صوت تفخيمي للكاف. أي أن الأصل هو: “كف” وليس “قف”.

– هذا يتضح في كلمة: “الكِفّة” (صيغة تأنيث من: كِف) والتي تعني: “النقرة التي فيها عين الماء” (أي التجويف الذي يخرج منه النبع). والنقرة هي: الحفرة، ومنها المِنْقَرُ: وهي “بئر ضيقة الرأْس تحفر في الأَرض الصُّلْبَةِ

– “كف” هذه، من الواضح أنها الصيغة الأصلية لكلمة” “كهف”، لأن “كهف” لاتزال تنطق في بعض مناطق الجزيرة العربية “كف” بدون “الهاء”، ولأن هذه “الهاء” من الأصوات الأربعة (الهمزة، الهاء، الحاء والعين) غير الأصيلة، من الناحية التاريخية (أو الدايكرونية).

– لفهم ألاعيب اللغة وأساليبها الماكرة، يمكن إجراء “قلب مكاني” بين “الهاء” و”الكاف” في كلمة: “كهف” لتصبح: “هكف“. هذه الاخيرة تبدو كما لو كانت “لُغَيّة” في: “حقف“، وذلك لأن “الحاء” هي: “الهاء البلعومية” (الهاء المبحوحة)، و”القاف” هي: “الكاف اللهوية” (الكاف المفخمة).

هذا القلب المكاني يمكن اجراؤه في كلمة “حقف” نفسها بحيث تصبح “قحف“. هذه الصيغة المقلوبة موجودة في المعجم العربية كـ”عديلة/doublet” خفية لـ “قُف” لأنهما تحملان نفس المعنى الأصلي وهو :التجوف والتقعر، والتقبب والتحدّب. “القف” (أو القفة) تطلق على كومة الحجارة والتراب وكذلك على الوعاء المستدير المصنوع من الخشب أو سعف النخل، أما “القحف” فتطلق على “الجمجمة الفارغة المجوفة”، وكذلك على “نصف القرعة المجوف اليابس” (اليقطين) .

مزيد من التفصيل في السطور التالية:

حقف وأحقاف

كلمة “حقف”، كلمة متطورة عن جذم أصلي (etymon)، ولهذا الجذم القديم لُغَيّات (byforms) وأعدال (doublets)، قريبة وبعيدة. “حقف” أيضاً لها “جذيرات” (cognates)، موجودة في شقيقات اللغة العربية (اللغات السامية)، بل وحتى في العائلات اللغوية الأخرى.

الـ”جذيرة/cognate” هي: “كلمة لها صلة قرابة بكلمة أخرى في لغة أخرى، ولهما جذر مشترك قديم”. مثال لذلك: الكلمة العبرية: ” צֶלֶם/صلم”، والعربية: “صنم”، كل منهما “جذيرة” للأخرى.

تفكيك “حقف”

لإستكشاف لُغَيّات وأعدال وجذيرات كلمة “حقف”، من المهم الوصول الى الجذم (إيتيمون/etymon) الذي تطورت منه هذه الكلمة، وكذلك الجذر الدلالي (السيمة/ seme)، لهذا الجذم. يتم هذا الأمر عبر تفكيك (deconstructing) هذه الكلمة ودراسة أصواتها (الفونيمات/phonemes) ومقاطعها (syllables) المختلفة. يلي ذلك وضع هذه الكلمة في حقلها الدلالي، لاستنباط مرادفاتها وصيغها المختلفة.

قبل البدء من المهم إستخدام الجرافيمات السامية، وذلك لتسهيل عملية التفكيك والتحليل. (للمزيد إضغط هنا).

الحرف: “” يرمز لصوت الحاء.

الشكل: “” يرمز الى تصفير الصوت، أي الى حذفه.

الكلمة الجذرية لحقف هي: (حَقَفَ):

a-qa-fa

1- الأصوات الاربعة (همزة،هـ،ح،ع)، من الناحية التاريخية، ليست أصلاً في البناء، والمطلوب الآن هو حذف مقطع الصوت الحلقي: “حَ/a“.

aqafa → qafa → qafa

(إذن الصيغة الأقرب للأصل هي “قف” وليست “حقف“، أي بعد حذف صوت الحاء.)

2- القاف (q) صوت لهوي يسمى (الكاف اللهوية) أو (الكاف المفخمة)، والمطلوب الآن هو إزالة هذا التفخيم:

qafa → kafa

(إذن الصيغة الأقرب للأصل هي “كف” وليست “قف“، أي بعد ترقيق صوت القاف.)


3- الفاء (f) صوت غير أصيل، والغرض من وجوده هو الحلول محل الباء المهموسة السامية: (p)، لأن هذه الباء غير موجودة في اللغة العربية، والمطلوب الآن هو العودة الى الأصل:

kafa → kapa

(إذن الصيغة الأقرب للأصل هي “كپ” وليست “كف“، أي بعد تشديد صوت الفاء الرخو.)


4- من الناحية التاريخية، الباء المهموسة (p) والباء المجهورة (b) تتبادلان المواقع بحرية (free variants).

kapa = kaba

إذن، الكلمة الجذرية الأصلية التي تطورت منها كلمة “حقف” هي: “kapa” (كپ)، وجذر الصوتي هو: [k-p] (ك.پ). ولكنها يمكن أن تنطق أيضاً : “kaba” (كب)، بجذر صوتي هو: [k-b] (ك.ب).

أقدم كلمة سامية معروفة بهذا الجذر هي الكلمة الأكدية: “kappu

. “kappu”، الأكدية، هي أقدم جذم (etymon) معروف للكلمة القرآنية: “أحقاف”.


إبدال الكاف جيماً
(k → g → ʤ)

5- الكاف (k) صوت مهموس، ولكن له وجه آخر يسمى “الكاف المجهورة” (voiced K) (الگاف)،  ويرسم بالحروف: “گ” و “G”. تاريخياً، صوت الـ (الكاف المجهورة G) في اللغات السامية، يمكن أن يحل محل صوت الـ (الكاف المهموسة/k)، بشكل حر (free variants). مثال لذلك: الكلمة الأكدية “Kapāpu“، هذه الكلمة تنطق أيضاً: “Gabābu“. (هذه الظاهرة الصوتية موجودة في العديد من اللغات البشرية، مثل اليونانية: “gáta/قط” التي تنطق في اللاتينية: “catta” ).

من ناحية أخرى، صوت الـ (الكاف المجهورة/G) (الگاف) غير موجود في اللغة العربية الفصحى، ويحل محله بشكل تلقائي صوت الـ (الجيم المركبة/ج/ʤ). مثال لذلك: الكلمة الأكدية “Gabbāru”، هي نفسها الكلمة العربية: “جَبَّار”، وكذلك العبرية: “גדה/gaddāh“، هي نفسها العربية: “جُدَّة (الضفة والساحل)”. (هذه الأمر لايزال موجود حتى الآن، عند نطق بعض الكلمات الأجنبية، مثل التركية: “gümrük” التي أصبحت في العربية: “جمرك“).

[ j-b ] [g-b ] [k-b]
[ j-f ] [ g-f ] [ k-f]

كب ← گب ← جب
كف ← گف ← جف


الآن أصبح لدينا الكلمة الجذرية (kaba/كبَ). هذه الكلمة الجذرية هي نفسها التي تطورت منها الكلمة الأكدية: “kappu”.

الكلمة الجذرية (kaba/كبَ) تنطق أيضاً: (kafa/كفَ) و (kapa/كپَ) و (qaba/قب) و (qafa/قف) و (gaba/گب) و (gapa/گپَ) و (gafa/گف) و (jaba/جب) و (jafa/جف). الموجود منها في اللغة العربية هي:

وجذورها الصوتية هي:

[k-b] (ك.ب) و[k-f] (ك.ف) و[q-b] (ق.ب) و [q-f] (ق.ف) و [j-b] (ج.ب) و [j-f] (ج.ف).

الكلمات المتطورة من هذه الجذور موجودة في اللغة العربية وشقيقاتها (اللغات السامية)، لكن الكثير من تلك الكلمات قد تعرض لكل التغيرات الصوتية والصرفية المعروفة: (القلب والإبدال والطرح والزيادة).


الجذر الدلالي


من نظريات علم الدلالة الحديث، ما يقسم المعنى المعجمي للكلمة، الى “جزيئات دلالية”.

كل جزيئ من هذه الجزئيات يسمى “مغزى/seme”، ومجموعها يسمى “ترجوم/sememe”.

وفقاُ لهذا المفهوم:

الترجوم” يحتوي على “مغزى أصلي” واحدة فقط، والبقية تعتبر “مغازي متفرعة“.

عند الشروع في تأثيل كلمة ما، لابد من تحديد “المغزى الأصلي” أولاً، ثم يلي ذلك تفكيك هذا المغزى والبحث في تركيبته الصوتية والصرفية للوصول لجذره الدلالي (semantic root).

“الجذر الدلالي” هو: المعنى البدائي البسيط، الذي اشتق منه “المغزى الأصلي”، في “ترجوم” الكلمة.

مثال لذلك: “كلمة أسرة”، من معاني هذه الكلمة: “عائلة، عشيرة،زوجة، إسار، درع”.
الترجوم هنا يتكون من : “مغزى: عائلة” + “مغزى: عشيرة” +”مغزى: زوجة” + “مغزى: إِسار” + “مغزى: دِرْع”.
“المغزى الأصلي” هو: “مغزى: إِسار” والبقية مغازي متفرعة مشتقة.
“الإسار” هو “القيد والرباط”، ومنه:  “أسْر” (إحتجاز) و”أسير” (مقيد)، إذن الجذر الدلالي لكلمة “أسرة” هو: “ربطة” أو “حِزمة” أو “حلقة”.


الجذر الدلالي لـ”kaba”

الكلمة الجذرية (kaba/كبَ)، وصِيَغها المختلفة، لها “مغزى أصلي” واحد، إضافة الى الكثير من “المغازي المتفرعة”.
أقدم كلمة سامية معروفة بهذا الجذر هي الكلمة الأكدية: “kappu“ (ولها عدة صيغ منها: “gappu” و “agappu”).
هذه الكلمة وجذيراتها في اللغات السامية تستخدم أصلاً لـ”وصف” أو “تسميةكل ما هو نقيض للإستقامة أو التمدد والحركة الى الأمام، بدون انحراف أو تحدب أو تقعر، (رأسياً أو أفقياً)، وذلك في مظاهر الطبيعة وفي أبدان الناس والدواب.

هذا المعنى النقيض يجعل من “كب” مرادف لـ”التوقف والإنحراف، والعك واللف والدوران، والتكور والتجوف والتقعر والتحدب“.

يقول الشاعر: “وبِضِدِّها تتميزُ الأشياءُ”، الصور أعلاه تحوي كل ما هو نقيض لدلالات “كب”: الجبال والصخور المستوية الممتدة. الطرق والانهار المستقيمة المنقادة. الأرض التي “لاعوج” فيها ولا وهاد أو قفاف. الزروع المصطفة والباسقة بلا تقعر أو حدبة. الدواب المتطاولة والمندفعة قدماً، لا تنحني ولاتتثنى.

الأحقاف = الغيران

اذا كان المعنى السياقي المقصود لكلمة أحقاف هو كهوف أو (أكهاف)، فالمتوقع أن ينصرف الذهن إلى تخيل مكان جبلي مليء بالمغارات والتجاويف الصخرية، لكن ليس شرطاَ أن يكون الأمر كذلك.

“المكان” قد يكتسب اسمه من صفة قديمة لأحد أكنافه، أو لمعلم بارز فيه، هذه الصفة ما تلبث أن يُتوسع في استخدامها، حتى تمسي اسماً علماً لكامل الإقليم أو الناحية. من أمثلة ذلك: “الأنبار” و”الأحساء” و”الجزائر”.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *