الكاف الرخوة:
الكاف ( ك k ): فونيم يوصف بأنه: [مهموس – طبقي – وقفي/شديد].
الخـاء ( خ ḵ ): فونيم يوصف بأنه: [مهموس – طبقي – احتكاكي/رخو].
للمزيد عن الفونيمات.. اضغط هنا
مهموس: تعني أن الهواء لا يتجمع عند الاوتار الصوتية، فلا تهتز ولا تحدث صوتاً مكتوماً. والسبب هو ان هذه الاوتار تتباعد أثناء نطق الكاف أو الخاء.
طبقي: تعني أن مؤخّر اللسان (يضغط على الطّبق)، أو (يقترب من الطبق) ولايضغط عليه.
الطبق المقصود هنا هو (الحنك الرخو)، أي القوس اللينة التي تقع فوق اللهاة.
اذا ضغط مؤخر اللسان بشدة على الطبق ولم يسمح بتسرب الهواء، يخرج في هذه الحالة صوت الكاف. ولذلك يسمى الكاف: [وقفي/شديد] لأن إلتقاء مؤخر اللسان مع الطبق، يوقف تدفق الهواء، وعند انفصال العضوين، انفصالاً مفاجئاً، ينفجر الهواء خارجاً من الفم. ولذلك يسمى الكاف ايضاً صوت: [انفجاري] أما اذا ارتخى مؤخر اللسان عن الطبق ولم يضغط عليه، سمح ذلك بتسرب الهواء، وبخروج صوت يشبه الشخير. الصوت الذي يخرج في هذه الحالة هو: (الخاء). ولذلك يسمى الخاء: [احتكاكي/رخو] لان الهواء لا يتوقف، بل يمر بصعوبة بين الطبق ومؤخر اللسان ويحتك بهما.
الكـاف ينطق برفـع مؤخر اللسـان حتـى یضغط على الطبق، بحیث لا يسمح للهواء بالمرور من الفم، إلى أن ینفصل العضوان انفصالاً فجائياً. أما الخاء فينطق برفع مؤخر اللسـان حتـى يقتـرب من الطبق، بحیث يكون بینهما فراغ ینفذ منه الهواء محدثاً صوتاً احتكاكياً.
من الواضح ان الفرق الوحيد بين الكاف والخاء، هو أن الأول [وقفي شديد] والثاني [احتكاكي رخو]. ولذلك يسمى الخاء: (الكاف الرخوة/ Fricative k).
هذه الكاف (الاحتكاكية او الرخوة او اللينة) يمكن ملاحظتها عند النطق البطيء لكلمة (كــ…خ) وكلمة (خـ…ك)، في الأولى، اللسان ينخفض سامحاً للهواء بالخروج ببطء مما يولد صوت (الخاء)، اما في الثانية فاللسان يرتفع مغلقاً مجرى الهواء مما يولد صوت (الكاف).
هذه الظاهرة دفعت علماء الصوتيات الى اعتبار الخاء (صوتاً فرعياً) للكاف: (ألوفون/allophone) وليس صوتاً مستقلاً: (فونيم/phoneme). في اللغات السامية، يرى العلاّمة الألماني (Gesenius) ان الصوت الوقفي الشديد هو الأصل، لشيوعه في كل الساميات، اما الصوت الرخو الاحتكاكي فما هو الا طريقة نطق مختلفة للوقفي. ومن ذلك (الخاء) الذي لايعد صوتاً اصيلا بل تبديل (ألوفوني) لصوت الكاف الأصلي الوقفي.
أمثلة من اللغة العربية:
كِن – خِن: وعاء، تجويف، فجوة، مسكن، مخدع.
سكّين – سخّين: مُدْية، آلة يُذبح بها أو يقطع.
كسف – خسف: الكسوف والخسوف بمعنى واحد، فَيُقال: كسفت الشمس وخسفت، وكسف القمر وخسف.
كنع – خنع: ذّل وخَضع.
خالد – كالد: قديم، ازلي، باق.
كبن – خبن: تقصير الاكمام او اللباس بطيه وخياطته.
أمثلة من الأكدية، أقدم لغة سامية:
(كنشو/kanšu) وتنطق أيضاً: (خنشو/ḵanšu)، وهي العربية: (خنس).
(كلدو/kaldu) وتنطق أيضاً: (خلدو/ḵaldu)، وهي العربية: (الكلدان).
(خَمو/ ḵāmū) وهي العربية: قَمَّ، (القمامة).
هذا قد يعني ان الخاء الاحتكاكية الرخوة ، لها اصل: (وقفي شديد)، وهو في هذه الحالة: صوت الكاف.
مع ملاحظة ان غياب هذا الاصل الـ(وقفي الشديد)، لايعني عدم وجوده في مرحلة ما، من مراحل تطور اللغة.
مثال ذلك كلمة: (خبن)، وتعني تقصير الاكمام او اللباس بطيه وخياطته، (خبن) هذه، لاتزال مستخدمة في بعض العاميات حتى الآن.
المعاجم العربية القديمة سجلت نطق ممات لكلمة: (خبن)، وهو: (كبن)، ووفقاً لما سبق يمكن القول ان الأصل هو: (كبن) وليس: (خبن).
التنقل بين (الرخاوة والشدة) في الصوت الطبقي المهوس، قد لايكون واضحاً، بسبب القلب المكاني والابدال الصوتي والتفرع الدلالي.
مثال ذلك كلمة: (كمش) والتي تعني: (قبض).
كمش = قبض
ابدال الشين بالسين > كمس.
قلب مكاني للكاف > مسك.
مسك = قبض
ابدال الكاف بالخاء > مشخ.
قلب مكاني للخاء > خمش.
مشخ = خمش = ضرب وجرح بالاصابع الخمسة.
خمش = كلمة سامية تعني الرقم: (5)، وتنطق في العربية: (خمس أو خمسة).
في أسماء الأماكن:
من بين الروايات التي تتردد حول سبب تسمية الخرطوم بهذا الاسم، ما ذكره الرحالة (جيمس جرانت) الذي رافق (جون هاننج سبيك) في رحلته الاستكشافية الشهيرة لمنابع نهر النيل. (جرانت) ذكر ان كلمة (الخرطوم) هي طريقة نطق مختلفة لزهرة: (القرطم). هذه النبتة كانت تُزرع بكثافة في المنطقة، ثم تُرسل إلى مصر، لاستخراج زيتها المستخدم في الإنارة آنذاك. (جيمس جرانت) يشير أيضاً الى ان الرومان عند غزوهم لمصر ووصولهم إلى شمال السودان، عثروا على زهرة القرطم في موقع الخرطوم الحالي واستخدموا الزيت المستخرج من حبوبها في علاج جروح جنودهم.
(القرطم) المذكور في الرواية، هو اسم آخر لنبات: (العُصفر)، المعروف في الطب الشعبي العربي. القرطم او العُصفر يسمى في لغة الرومان اللاتينية: كرتاموس (carthamus)، واصلها قد يكون اليونانية: (κάρθαμος). اللاحقة: (us-)، لاحقة متكررة: (frequentative suffix) في الأسماء اليونانية واللاتينية وليست من اصل بناء الكلمة. وعليه فالاصل في (cartham-us) هو (كرتام)، وجذرها: (ك.ر.ت.م). بتفخيم الكاف والتاء يصبح الجذر: (ق.ر.ط.م).
بصرف النظر عن صدقية رواية جيمس جرانت، المهم هو الإشارة الى شيوع ومنطقية الابدال بين الكاف والخاء في أسماء الاماكن.
الخاء اللهوية:
الخاء التي جرى الحديث عنها سابقاً تسمى: (الخاء الطبقية/velar).
هناك وجة آخر من وجوه الخاء، غير مرصود في العربية الكلاسيكية، يسمى: (الخاء اللهوية/uvular).
صوتياً توصف (الخاء الطبقية) بأنها فونيم: [مهموس – طبقي – احتكاكي/رخو].
اما (الخاء اللهوية) فتوصف بأنها فونيم: [مهموس – لهوي – احتكاكي/رخو].
اللهاة هي الجزء المتدلي من الطبق.
طبقي: تعني أن (مؤخّر اللسان) يرتفع مقترباً من الطبق.
لهوي: تعني أن (مؤخّر اللسان) لا يواصل الارتفاع حتى يقترب من الطبق، بل يكتفي بالاقتراب من اللهاة.
في هذه الحالة يخرج (صوت الخاء) اكثر خشونة من الخاء الطبقية، واكثر شبهاً بشخير النائم.
اثناء نطق هذه (الخاء السفلية)، اللسان يرتفع اقل، ويبذل جهد أقل، ولا يبتعد كثيراً عن (البلعوم) او (اعلى الحلق/ upper pharynx). هذه المنطقة الأخيرة، (أي البلعوم)، هي مخرج أصوات الحلق: العين والحاء. تقارب المخارج هذا، يدفع الى تبادل المواقع، بمعنى ان الصوت في هذه الحالة قد يتحول من (شخير) الى (فحيح)، أي من (الخاء) الى (الحاء). والعكس قد يحدث احياناً، أي ان فحيح: (الحاء)، قد يتحول الى شخير: (الخاء).
هذه الظواهر تسمى: (الحلقنة/pharyngealization) و(اللهونة/uvularization)، أي أن الصوت الحلقي قد يتغير الى صوت لهوي أو ان الصوت اللهوي قد يتغير الى صوت حلقي.
احد الأسباب الشائعة هو خفض مؤخر اللسان عند نطق الخاء اللهوية، او رفع مؤخر اللسان عن نطق الحاء الحلقية كـ(عادة نطقية/articulation habit).
من امثلة ذلك الكلمة العربية: (حط) أي وضع أو انزل. هذه الكلمة تُنطق في اللهجة السودانية: (خط)، بالخاء بدلاً من الحاء.
في أسماء الأماكن:
اسم: (الخط)، يطلق قديماً على الساحل الشمالي الغربي للخليج، أي الكويت وقطر وما بينهما. في المصادر السريانية القديمة يكتب اسم هذا المكان: (حطّا)، بالحاء بدلاً من الخاء.
من المعاني المعجمية لكلمة خط العربية: الساحل او الشريط الساحلي: (coastline).
هذه الكلمة موجودة في الأكدية، اقدم لغة سامية، وتنطق: (akhātu/اخاطو)، وتعني: خط مستقيم: (line)، حد، ساحل أو ضفة.
عليه يمكن القول ان الحاء في الاسم السرياني: (حطا)، هو ابدال صوتي أو (حلقنة/pharyngealization) للخاء الاصلية في (خط).
اترك تعليقاً