( Toponymic motivation )
ما الذي يدفع شخص ما، او جماعة من الناس، الى اطلاق، هذا الاسم او ذاك، على بلدة، ناحية، او مصر من الامصار؟ لماذا اختار اسلافنا الثقافيين أسماء مثل: (كاظمة) و(الحيرة) و(أذرح) و(تبوك)؟ ماذا كانت تعني لهم هذه الأسماء؟ ولماذا اختاروها دوناً عن غيرها؟ الباحثون المكانيون اجتهدوا في جمع وتفسير دوافع التسمية المكانية، وتبيان أهمية الإحاطة بها قبل البدء في محاولة تفسير معنى اسم المكان. في السطور التالية بعضاً من أكثر الدوافع شيوعاً في العالم السامي القديم.
1- توصيفي (descriptive)
الغالبية العظمى من أسماء الأماكن هي في الواقع وصفية، لها علاقة بالجغرافيا الطبيعية والبشرية. هذا قد يشمل معالم الأرض أو خِلقة وخُلق ساكنيها، ومن ذلك وصفٌ لعمارتها او مَعلمٌ بارز فيها.
من الأمثلة الشهيرة بلاد: (الاحساء)، وهي كما يقول البلدانيون: مناهلٌ قريبة للمياه تُحتفر، او هي عيون الماء.
مثال آخر: (الأنبار)، قيل هي: الأهراء او (المستودعات)، وهي حُجرات تُتخذ لتخزين السلع والغِلال.
هناك أيضاً: السودان، زنجبار(ساحل الزنج) وبلقين، وهذه الأخيرة تعني الحدادين.
2- تشبيهي (analogous)
اسم المكان قد يكون تشبيهاً بمُشبهٍ به. يشمل ذلك الدواب والطيور والنباتات وأجزاء الجسد والافلاك وغيرها كثير.
مثال ذلك: (بلدة سن الفيل)، (شاطئ نصف القمر)، (جبل النهدين).. الخ. الملاحظ، في كثير من الحالات، أن وجه الشبه قد يكون غير واضح او غير معروف مثل بلاد (اليمامة) و(جبل ثور).
3- تبجيلي (reverential)
قد تكون هناك أسباب تقديسية أو تشريفية او تخليدية وراء اختيار اسم المكان. من ذلك: (المدينة المنورة)، (القدس الشريف)، (مشهد) وهي كلمة عربية تعني الضريح. هناك ايضاً: (وادي قاديشا) و(مدينة العاشر من رمضان). ولكن هذا الدافع التبجيلي قد لايكون واضحاً في الأسماء القديمة.
4- نَسَبي (eponymous)
اسم المكان قد يحمل في طياته اسم او لقب او كنيةٌ لشخص ما. من الأمثلة الشهيرة: (القسطنطينية) و(الإسكندرية).
محلياً هناك: (الناصرية)، (ميناء الأحمدي)، (بحيرة ناصر)، (بئر بن هرماس)، (درب زبيدة).. الخ. هذا النوع من الطوبونيمات يسمى: (إبونيم/eponym) أي منسوب لشخص. دافع التسمية هذا غالباً ما يكون له علاقة بالدافع:(التبجيلي)، الذكور أعلاه. فقد يكون الاسم: (إبونيمي تبجيلي).
5- عاطفي (emotive)
اطلاق الاسم قد يكون مصحوباً بالتيمن والتمني والأمل، مثل: (رأس الرجاء الصالح)، (المنصورة)، (المختارة)، أو (دار السلام)، وهذا الأخير اسم عربي لعاصمة تنزانيا السابقة.
الطوبونيم قد يحمل،كذلك، شيء من التشائم او المشاعر والانطباعات السلبية مثل: (وادي الموت)، (بحر الظلمات).. الخ. هذا النوع من دوافع تسمية الأماكن يعتبر:(عاطفي/emotive)، أو غير موضوعي.
الـ(جيونيم/geonym) والـ(إثنونيم/ethnonym)
(جيونيم/geonym): مصطلح مكون من مقطعين، الأول: (جيو-) ويعني أرض، والثاني: (-نيم) ويعني: (اسم). وبذلك يمكن ترجمته الى: (إسم أرض) او (إسم جغرافي). للجيونيم فروع عديدة منها: (كورونيم/choronym): صحاري ونواحي وبلدان. (هايدرونيم/hydronym): مسطحات ومجاري مائية. (أورونيم/oronym): مرتفعات وجبال، للمزيد من التفاصيل إضغط هنا
(إثنونيم/ethnonym): مصطلح مكون من مقطعين، الأول: (اثنو-) ويعني عرقي او قومي، والثاني: (-نيم) ويعني: (اسم). وبذلك يمكن ترجمته الى: (اسم عرقية) او (اسم قومية) من القوميات. في الطوبونيميا يُتوسع في استخدام هذا المصطلح ليشمل كل جماعة بشرية تتوحد تحت أي مسمى، مثل: (أسرة)، (عشيرة)، (قبيلة)، (شعب)، (طائفة)، (أمة)، وما الى ذلك. ولعل التعريب المناسب في هذا السياق هو: (إسم قوم) أو (إسم قومي)، لأن القوم هم جماعة الناس.
الجيونيم والإثنونيم يتكرر وجودهما ضمن اسم المكان، (الطوبونيم)، وغالباً بدافع وصفي: (descriptive). مثال ذلك:
(الجبيل) و(السودان)، الأول وصف لمظهر جغرافي والثاني وصفٌ لقوم. الملاحظ ان الطوبونيم، في معظم الحالات يشمل المكونين معاً: الجيونيمي والإثنونيمي، وهنا يسمى: (طوبونيم مركّب):
Toponym = [geonym] + [ethnonym]
مثال ذلك: بلدة (غيل باوزير) في حضرموت، (بلاد بني مالك) في جنوب الحجاز، (وادي العجمان) شمال الاحساء و(جبل الدروز) في الشام.
لوحظ أيضاً ان كثرة الاستخدام والرغبة في التخفيف قد تؤدي الى طرح الشطر الجغرافي من الطوبونيم، فلا يتبقى سوى الإثنونيم. مثال ذلك : (بني مالك)، الاسم الكامل لهذا المكان هو: (بلاد بني مالك). في هذه الحالة قد يَعتمد المعنى على السياق مثل:
– هذا الرجل لديه مزرعة في بني مالك، (هنا، المكان هو المقصود).
– هذا الرجل من بني مالك، (هنا، القبيلة هي المقصودة).
العكس أيضاً قد يحدث، بمعنى ان الشطر الإثنونيمي هو الذي قد يُطرح، فلا يتبقى سوى الجيونيم. مثال ذلك: (الأحساء)، الاسم الكامل لهذا المكان هو: (أحساء بني سعد). طُرحت: (بني سعد)، وبقيت: (أحساء) او (الأحساء). هذه الملاحظة الأخيرة جديرة بالاهتمام، لان الكثير من الأسماء القديمة التي فُسرت على اعتبار انها اسم لقبيلة، ليست في الواقع سوى اسم مكان مركّب، سقط منه المكون الجغرافي.
ملاحظات:
-الدافع الوصفي هو الأكثر شيوعاً، ولكن المشهد الموصوف قد يتغير مع مرور الزمن. مدينة تسمى (العيون)، على سبيل المثال، وهي الآن صحراء قاحلة ولا اثر للعيون فيها. مدينة أخرى قد تسمى (القلاع) وهي الآن بضعة منازل طينية بسيطة ولا أثر فيها لتلك الحصون العظمية.
-الحدود بين الدوافع ليس شرطاً أن تكون واضحة ومحددة، هناك أحياناً تداخل. الدافع (الإبونيمي) قد يكون في نفس الوقت دافع (تبجيلي).
-استعراض المعلومات التاريخية والأثرية والجغرافية المتعلقة بالمكان، على ضوء هذه الدوافع، يساعد كثيراً في الوصول الى معنى اسم هذا المكان.
اترك تعليقاً